بهدوء
عمر كلاب
حوار مع خريج جامعة هارفارد
في معرض حوار نقدي لطبقة الادارة في الاردن, بعد طغيان النماذج الغربية عليها, دون اضافة نوعية للادارة الاردنية, التي تراجعت منذ مقدم ما يسمى بالليبراليون التقليديون والجدد, إثر استعانة السلطة بهم, كنماذج للتغيير والتطوير, سألت صديقي خريج جامعة هارفارد: هل طبقتم ما درستموه في الخارج على مؤسساتنا الوطنية, بطريقة علمية, ام طبقتم ما في اذهانكم علينا, ضاربين عرض الحائط بكل ما درستمومه هناك؟
بعد اتهامي بأنني معادٍ لهم, اجاب: لم تسمح لنا البنية البيروقراطية بتطبيق ما تعلمناه عكس تجارب عربية واجنبية, تشابه حالتنا الادارية, اطلقت يد نظرائنا وبالتالي حققوا ما عجزنا عن تحقيقه, للوهلة الاولى, كدت أنجرف معه, قبل ان اضبط نفسي, واسأل مجددا, أظن انك قرأت كتاب جون كوتر” قيادة التغيير” ؟ فهزّ رأسه بالايجاب الملبد بالاستهجان مع قليل من الارباك, انت تعرف جون كوتر وكتابه؟ مكملا انت ” لوكال”, اي محليّ الصنع والتعليم, هكذا نعرف.
ضحكت من اعماقي, وأجبته: نحن نسعى الى التعلم, ونجتهد في القراءة, علها تسعفنا على فهم واقعنا من اجل تطويره, بدل ان نهبط بمظلات كما فعلتم دون قراءة سطر واحد من واقعنا, مخالفين بذلك كل المعارف التي تعلمتموها, فأنتم تفترضون اننا نجهل, علما بأننا اقدر على التطوير والتحديث منكم, فكل ما تفعلونه مجرد رطانة لسان, وبعض مصطلحات لا تجدون لها مرادف في العربية, كما تتدعون.
فنحن يا صديقي ليس لنا وطن سوى هذا الوطن, عكسكم, فانتم تنظرون اليه فرصة عمل او ساحة, ونحن نراه كل ما نملك, لذلك نجتهد في الفهم ونسعى اليه, فيما انتم تمنحونه بقدر رواتبكم ومواقعكم, وللأسف أرخت لكم السلطة الحبل, حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه من تجريف وتصحّر اداري, انسحب على الواقع الاجتماعي الذي بات ملبدا بالغضب وقلة الحيلة.
تلقيت اجابة غريبة من صديقي خريج هارفارد, نحن عملنا في ظروف محكومة بالفشل سلفا, فلا البنية الادارية صحيحة من حيث سلامة التشريعات والانظمة, ولا الكوادر البشرية مؤهلة, بل وجدنا في كل مؤسسة او شركة حكومية حجم عمالة يفيض عن حاجة الشركة او المؤسسة او الوزارة, فحاولنا قدر المستطاع, لكن الواقع كان أصعب مما اعتقدنا, ولكن انتم اتخمتم المؤسسات بكوادر جديدة بدل تطوير الموجود وخلقتم مؤسسات مستقلة, بدل تطوير القائم او الغائه؟ قلت لصديقي.
صحيح قال بغضب, لكن ذلك رفع من مستوى الخدمة والجودة, ولم يكن بالامكان تطوير المؤسسات القائمة لانها غير قابلة للتطوير, فمعظم التعيينات تمت على اسس غير مهنية واسس ارضائية للنواب او لاصحاب النفوذ او لامتصاص الغضب في بعض المحافظات وبعض التكوينات الاجتماعية, ولكنهم اردنيون, ولهم الحق في العمل, اي لم تستورد الدولة موظفين من خارجها, ولو قرأت فعلا كتاب قيادة التغيير لعلمت ان اول خطوة فيه, تنمية الشعور بالحاجة الملحّة للتغيير, وليس للاستبدال او التبديل كما فعلتم.
فمؤلف الكتاب وهو أستاذ القيادة وإدارة التغيير في كلية هارفارد للأعمال قال: “خلق فكرة أن التغيير هو حاجة ملحّة لتقوية المؤسسة وتطويرها هو أول خطوة على طريق التغيير, إذا تمكنت من إنشاء بيئة يكون فيها الأفراد على دراية بمشكلة قائمة ويمكنهم رؤية حل كامن في فكرة التغيير، فمن المحتمل أن يرتفع الدعم للتغيير”, فلماذا لجأتم الى التبديل؟
صمت صديقي وابدى امتعاضه من قولي, واستأذن لارتباطه بموعد مع مؤسسة تحتاج خبراته للتغيير, والغريب انهم ينجحون في تطوير بيئة الاعمال في القطاع الخاص, من خلال خطفهم لكفاءات القطاع العام, وهذه فلسفتهم في التغيير, كما رأيت وتابعت, لذلك ساتحدث في المقالات القادمة عن قيادة التغيير, حيث اننا نعيش اليوم اجواء ضرورة التغيير.
omarkallab@yahoo.com