مرايا -كتب :عمر كلاب -تُقرأ الاندية الرياضية عادة, بوصفها تعبير عن تجمعات بشرية في منطقة جغرافية معينة, فالاندية نشاط اجتماعي ورياضي وثقافي, تبدأ بمجموعة متناغمة, سرعان ما تصبح علامة فارقة لمدينة او حي, وربما تتنافس المدينة الواحدة بوجود اكثر من نادٍ, وربما يطويها النسيان فتصبح مجرد ذكرى او مكان باهت يفيض بصِور بالابيض والاسود, وفي احسن تعابير الفشل يتحول النادي الى مقهى نوعي لطبقة معينة او لمجموعة تبحث عن الراحة بمعزل عن ظلال المقاهي ونظرة المجتمع لها.
ربما انفرد النادي الفيصلي وحده بنظرة عابرة للمناطقية وحتى القُطرية, فهو تأسس في العام 1932 وحمل اسم فيصل الاول وسبقه في التأسيس نادي الاردن عام 1929, وكان تعبيرا حيويا عن رفض سايكس بيكو, واصراره على وحدة البر الشامي, لذلك قام الانتداب البريطاني بإغلاق النادي الذي كان يحمل اسم كشافة النادي الفيصلي لاخلال اعضاءه وادارته بالامن الوطني حسب رأي الانجليز, ثم عاد النادي الى الحياة بجهد مخلصين على رأسهم سليمان النابلسي الذي كان رئيسا فخريا ثم اصبح رئيسا للنادي ومن النادي انطلق ليصبح رئيسا للوزراء, كأول رئيس حكومة برلمانية منتخبة.
ومنذ تاسيسه والنادي يمارس ريادة وطنية, كرسها نشيد النادي الذي صاغه المرحوم حسني فريز واقتبس من نشيد النادي هذا البيت, ” أمنيتي هذا الوطن أسمو به مدى الزمن ” ولعله يكشف الصورة النهائية لمعنى الفيصلي, وأظنه من النوادي القليلة التي لعبت في فلسطين, كل فلسطين قبل العام 1948 وله روابط مشجعين في فلسطين, وابرزها رابطة مشجعيه في قطاع غزة, وحتى لا اغرق في تفاصيل النادي وتاريخه العريق, لأن هذا يحتاج الى مجلدات,فإنني اقف عند العام 1980 وبداية بروز نادي الوحدات على المشهد الكروي, بديلا لنادي الجزيرة المنافس التقليدي للفيصلي, وقبلها كان دخول غزلان الشمال الرماثنة على المشهد بفريق حمل الكثير من الجمال للكرة الاردنية.
اضع عام 1980 كبداية لمرحلة سياسية وليست كروية, لأن هذا العام حصرا شهد بداية نفوج اليمين المحافظ الامريكي واوصل ممثل كومبارس الى سدة الرئاسة, هذا اليمين الذي كان يسعى الى استهداف كل الهويات الوطنية, ويستهدف اكثر, هذه المنطقة وتقسيمها افقيا وعاموديا, على اسس مذهبية وطائفية واقليمية, فبرز الصراع ليس على الملعب الكروي, كما كل العالم, فكل اصقاع العالم لها كلاسيكو او ديربي للمدن, لكن كلاسيكو الاردن كان كرويا الى ماقبل العام 1980, حيث كانت مباراة الفيصلي والجزيرة تحدد البطل وتاليا الرمثا, وبعد وصول ريغان الى الحكم بعام ونصف, – فاز في العام 1980 وجلس رئيسا في كانون الثاني 1981- حدث اجتياح بيروت وما تلاه من كوارث.
واجازف بالقول, ان النادي ومنذ اليمين المحافظ وما تلاه من الليبراليين المتوحشين, يتعرض لتهشيم وتهميش, كما شان كل الهويات الوطنية الاردنية, وهنا اجازف ايضا, ان الادارات المتعاقبة, لم تلتفت لهذا الخطر, الذي أطل برأسه منذ تشكيل نادي شباب الاردن, كحالة افتراضية لكسر ثنائية الفيصلي والوحدات, لكن الخطر كان عميقا على الفيصلي وحده, لما يمثله من فكرة وعنوان, ثم بدأت حواضن الفيصلي الاجتماعية بتشكيل انديتها, فخسر الفيصلي الكثير من الحواضن الاجتماعية, في معان والسلط والكرك وحتى سحاب التي كانت بلدية مستقلة قبل انضمامها للعاصمة عمان.
اليوم تعصف بالنادي الفيصلي ازمات, لا تخلو من براءة, ورياح حل لادارته- رغم نفي وزير الشباب لكاتب المقال إتخاذ قرار بذلك حتى اللحظة- لكن المجريات تقول بالحل, وهو قرار لا يخلو من حكمة فقط, بل يشير الى خطر على السلم الاهلي بمجمله, فالنادي ليس مكان وادارة, بل تاريخ وحضارة منذ عهد الامارة, والرؤية يجب ان تكون واضحة, الفيصلي قصة تاريخ وطن وليس كرة تتقاذفها الارجل في المستطيل الاخضر, فهل نقرأ المشهد بحكمة وروية يا اصحاب القرار؟ omarkallab@yahoo.com