بهدوء
عمر كلاب
لا يجوز التقليل من حجم الفخر الذي انتجه هروب المناضلين الستة من سجون الة القمع الصهيوني, المدعومة من كل قوى الاستعمار, وقوى التخاذل العربي وعلى رأسها سلطة اوسلو وتنسيقها الأمني المقدس, فطالما ان المناضلين على ارض فلسطين المحتلة, فإن مسألة عودتهم الى السجن مسألة وقت لا اكثر, فكل البيئة الحاضنة التي يعيشون فيها موبوءة بالاحتلال وقواته وبالسلطة وتنسيقها الامني وطبعا بالجواسيس.
معادلات وقوانين طبيعية راسخة, اسقطها الابطال الستة, في عملية هروبهم, سواء اقتنعوا اصحاب نظرية الطمم ام لم يقتنعوا, فقد اثبتوا ان العقل الثوري هو وحده القادر على هزيمة الة القمع والاستعمار والخيانة والتخاذل, ولا توجد الة اخرى قادرة على هزيمة العقل التقني والعقل المدجج بكل ادوات المعرفة والتكنولوجيا سوى الة العقل الثوري, لكن الكارثة كانت في العقل الجمعي لمجتمع السلطة الذي ادمن العقل الاستمنائي, وعقل الخنوع.
كما قال مظفر النواب, مو حزن, لكن حزين, فالحزن لا يليق ان يتلاقى مع حادثة اسطورية صنعها ابطال في زنزانة مسيّجة باعتى الات القمع ومحروسة بأعلى تكنولوجيا عرفها العقل البشري, لكنني حزين على عدم اكتمال نجاح التجربة والفكرة المسنودة بالروح المتقدة للعقل الثوري, الذي لم يأنس الخنوع ورفض البقاء خارج دائرة الفعل الثوري, فالحياة بكل مباهجها تليق بمثلهم, والدنيا بكل قلقها تخضع لروحهم المتقدة, والزنزانة اصغر بكثير من حلمهم بالحياة.
المقلق ان الدعم اللوجستي خان الفكرة والثورة, سواء بقصد او دون قصدية, فمنذ خمسة ايام والابطال خارج المعتقل, لكن لا وجود لدعم لوجستي لهم, وخلنا ان بعد مواجهة القدس التي جابت كل المدن والارياف والقرى الفلسطينية, خُلقت بيئة حاضنة, فكل فلسطين انتفضت في معركة القدس, واعادت غزة انتاج توازن الرعب, فهل كان هروبهم الاسطوري عزف منفرد؟ الم يكن هناك تواصل مع التنظيمات خارج السجن؟ كلها اسئلة مطروحة بقلق وقهر.
فالعملية نوعية بكل معنى الكلمة, وهزيمة السجان تحققت حتى بعودتهم الى الزنزانة, لكن الفرح كان قاب قوسين او ادنى, لو كان هناك دعم لوجستي قادر على انتشالهم من فلسطين الطبيعية الى اي بقعة خارج سيطرة الاحتلال, سواء على حدود لبنان او الاردن او سورية او مصر.
الجميع كان يترقب فعلا أمرا, غير القاء القبض عليهم مجددا, فلم يقم الابطال بما قاموا كي يعودوا الى الزنزانة, وكل من عمل في المقاومة, يدرك ان هناك خلايا سرية قادرة على نقلهم الى خارج فلسطين او على الاقل الى مناطق اكثر أمنا, وهنا موضع الجرح ومكمن الألم, فكل الفصائل لها اجنحة عسكرية نجحت مرارا في اختراق العدو الصهيوني وتوجيه الضربات له, فلماذا عجزنا هذه المرة؟
عشنا اياما من الفخر, وما زلنا نعيش الفخر بالابطال الستة ولن ننساهم وقد حفروا اسمائهم في ذاكرة التاريخ والاجيال الشابة, لكننا نتهم كل القوى بلا استثناء وتحديدا قوى المقاومة بإجهاض لحظة نصر مهمة, في صراعنا الطويل والمستمر مع العدو الصهيوني, واضعنا حلم شباب اخترقوا المستحيل وخذلهم الواقع المريض والمدجج بالخيانة والسلبية وقلة الحيلة, فالحزن على لحظتهم الاولى وبريق الفرح الأول الذي طاله القهر, لغياب الدعم اللوجستي وغياب الفعل الثوري الجمعي, فهم ليسوا بابناء تنظيماتهم بل ابناء القهر والحرمان والاستلاب, لذلك تعاطف معهم كل الفقراء والمقهورين.
لهم المجد والفخارولهم الحياة بكل اوجها, ولنا ما نستحق من لعنات, ولمن شارك او ساهم بالتقصير او الخيانة الخزي والعار, وتحديدا سلطة اوسلو واركان التنسيق الامني.
omarkallab@yahoo.com