بهدوء
عمر كلاب
يبدو ان المجتمع العربي, قابل للتنمر بشكل فردي وجمعي ايضا, بعد ان بدأنا نلمس مسلكيات تفضي الى ذلك, فالدول الثرية تتنمر على الدول الفقيرة, والدول الاقوى تتنمر على الدول الاضعف, فالحديث النبوي القائل: “كما تكونوا يولّى عليكم”, يتحقق اليوم بأبهى المعاني والتعبيرات, ونحن نرى كيف تتم محاولة لي اذرع افرادا ومجتمعات ودول, فالعقل العربي يستجمع ويسترجع, كل ثقافة التنمر المعهودة تاريخيا عن هذا العقل, الذي قادته الصحراء بخشونتها الممزوجة بالريبة.
المتنمر بالضرورة, يمتلك قوة هجينة بالمناسبة, او تكون قوته اقرب الى تعويض ضعفه امام قوي آخر, فهو يسير نحو التنمر مسكونا, بالضعف, فخضوعه لتنمر الاقوياء, يجعله اكثر حساسية من اي مسلك من الاضعف, فيرتد عليه بقوة لا تتناسب وحجم الفعل الجالب للتنمر, فهو يتنمر لاحساسه بعجزه اساسا, لذلك يستشرس في تنمره على الضعفاء, لاسترداد بعض من هيبته او استجرار طعم القوة, بعد ان انسكبت هذه القوة على عتبات الاقوياء.
عندما تتنمر المجتمعات او الدول على الضعفاء او الاقل قدرة على المواجهة, فإننا نكون بذلك في بؤرة عصر الانحطاط, وللاسف نجد من يمجد هذا الانحطاط, كما يقول الاستاذ راكان المجالي في مقالته الاخيرة, التي حملت عنوان, تمجيد الانحطاط, ومنها اقتبس” الانحطاط،وأشكالهومستوياته،شيء،وتمجيدالانحطاطشيءآخرتماماً,فيدنياناالراهنة،أوفيدنيابلادالعُرباوطاني،بكلأوطانها،التيضربهاطاعونالانحطاط،فيعيشهاوثقافتهاومستوياتعلاقاتهاالبينية؛فيتلكالدنياالموبوءة،ثمةمايمكنرصده،والوقوفعنده،فيمتواليةانهياراتها،غيرالانحطاطذاته”.
تمجيد الانحطاط, يكون بإقرار التنمر على الضعيف, وبمساندة التنمر ودعمه, وتسويغ مأربه, دون ادنى اعتبار للقيم المجتمعية والعلاقات البينية بين الافراد والمجتمعات والدول, بل حتى دون ادنى مراعاة لآمال الناس واحلامهم في العيش بكرامة, وأظن اننا كأفراد قمنا بدعم التنمر واقراره, تارة تحت راية التحالف او القرابة او صلة الدم او الحارة والحي والنادي, فنحن مجتمع متنمر ولا يجد غضاضة او وجل من التنمر, بل يعتبره قوة ورفعة وليس نقيصة ومثلبة.
نحاول اليوم فهم حركة المجتمعات, وارتدادها على حركة الافراد او العكس, فنجد ان كل قوانين علم الاجتماع بما فيه نظرية ابن خلدون في علم الاجتماع لا تنطبق علينا, رغم انه منتج عربي خالص, فنح لم نقلد غالبنا, كما تقول نظرية الغالب والمغلوب عند ابن خلدون, بل استنسخنا اسوأ ما في غالبنا, ونقشناه في عقولنا, وتركنا اسباب قوته وتماسك مجتمعه, لصالح انتاج مجتمع ممسوك وليس متماسك, فعند اول مواجهة تسقط معظم شعاراتنا, ونرتد الى الدرك الاسفل من العصبية والعصبوية.
في بلاد العرب كل شيء معلب وجاهز, ولا يوجد انتاج طبيعي واحد, حتى الافكار والمسلكيات لم تعد طازجة في مجتمعاتنا العربية, فهي اما مجمدة او مبسترة, ولذلك نحن في الدرك الاخير من تراتبية الكون, واسهاماتنا في الفكر البشري والحضارة البشرية توقفت, منذ ان اتقنا التبعية بكل اركانها, وصرنا اسودا على بعضنا البعض, ونعامة في حروبنا ومواجهاتنا الخارجية.
omarkallab@yahoo.com