عمر كلاب
لا تحتاج النخبة الاردنية الى كثير عناء, كيف تكشف عن مدى تراجعها و كشف شخصيتها الانانية, فأي مراقب يحتاج الى رصد تفاعلاتها مع اي حدث او استطلاع او زيارة, كي يشكف مدى عوار نخبتنا ومدى انحيازاتها الضيقة, فإذا صمتت الحكومة نطالبها بالتوضيح, واذا تحدثت نرفض حديثها, واذا دافعت عن نفسها بشكل حضاري وقانوني, نطالبها بالتأسي بالسابقين, ورفع منسوب السماحة,دون ادنى ادانة لمن ارتكب الخطأ, او تجاوز حدود المسموح والمألوف الاردني.
تتصرف الحكومة بمسؤولية حيال ارتفاع اسعار النفط عالميا, وارتدادها على اسعار المشتقات تاليا, فيخرج محللين اقتصاديين لقراءة الرفع, والقول بأن الرفع اقل من حجم الارتفاع العالمي, مؤكدين ان الحكومة تفهمت الظرف الاقتصادي للمواطن في فصل الشتاء خصوصا, فتتم مهاجمتهم, بصورة فجة وشخصانية مع سلسلة تهم جاهزة, والغريب ان احدا من النخبة لا يتصدى للدفاع عنهم او لكشف حقيقة او خطأ ارقامهم, بل يسهم في الهجوم ويستعذب المشاركة بفرح في ذبحهم, فهم منافسون مفترضون, في مستقبل الايام, عند اول تعديل او تشكيل او لجنة مستقبلية.
تقوم قناة المملكة بتغطية استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية المثير للعقل, فيتم الغمز من قناة الديوان بأن ثمة مؤامرة تُحاك ضد الحكومة, بل ويسترسل المحللون في قراءة ارقام الاستطلاع وتغطية المملكة, باسلوب الآكشن, من خلال الربط بين مخرجات الاستطلاع الرقمية, وبين تغطية المملكة, وصولا الى خلاصة هتشكوكية, وكأن الارقام معدة سلفا, لخدمة المؤامرة, رغم ان الاستطلاع ونتائجه, لم تخالف احاديث الجميع, ولكنها أظهرتها فقط, ووضعت الجميع امام مسؤولياته, واقول الجميع واقصد الدولة بكل اركانها ” المجتمع والسلطات والاجهزة”, طبعا لو قفزت المملكة عن نتائج الاستطلاع لتم كيل التهم لها, بأنها قناة خدمة عامة وتمويلها من دافعي الضرائب.
يأتي معاض مقيم في الخارج الى وطنه, يقول الرجل ما يجول بخاطره عند العودة, فنرشقه بكل الموبقات,وكأن المطلوب ان يبقى في خانة الهجوم, رغم انه اعلن انه ما زال في خانة المعارضة, بل اعاد تموضعه, واعاد ترتيب نهجه واولياته الوطنية, بعد مراجعة فكرية لما سبق, وهذا نهج صحي, فالسياسي يراجع مواقفه وافكاره, فيبقى على ما يراه صحيحا ويُزيل العدمي, فهل كان المطلوب اغتياله مثلا, كما جرت العادة العربية في نسختها القومية والقبلية, حتى نبكي عليه؟ ام احترام نهج الدولة في السماحة واحترام النظام السياسي على عدم ولوغه في الدم والسحل والتنكيل؟
نجحت الدولة في التصدي لكل ويلات الخارج, ولديها الادوات لتحقيق مزيد النجاحات, لكننا كدولة لم نعهد مواجهة عدو داخلي, او العدو المزدوج ” داخلي وخارجي” وطبعا لا اقصد المعارضين بالعدو الداخلي فالمعارضة وجه للحكم, لكني اقصد العدميين وقناصي المواقف والفرص, ومثيري الحرائق الوطنية, واولئك الذين لا يرون في الدولة حسنى واحدة, ولا يسعون الى معالجة الندوب في جسد الدولة, وهي كثيرة بالمناسبة, وتحتاج الى مراجعة جذرية للنهج والمنهج, وتحتاج الى صرامة وحسم, وهذا يتطلب رجالا على مستوى الدولة, وليس رجال حارت شعبية, يبحثون عن غرائزية مقيتة على حساب المنهج والنهج.
استطلاع الرأي الذي اجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية هو قاعدة نظرية لبداية معالجة اختلالات وطنية صادمة, ليس على قاعدة الرغائبية والمؤامراتية, بل على قاعدة وطنية نتقي الله فيها في وطننا ومجتمعنا, وعلى النخبة الهجينة التي تعمل على مستويين, داخل المنصب او خارجه, ان تراجع نفسها, فمن اوصلنا الى هذا الخراب حضراتهم, او على الاقل هم جزء رئيس منه, فهذا الوضع نتيجة اختلال تراكمي وليس نتيجة عام واحد او عامين.
omarkallab@yahoo.com