بهدوء
عمر كلاب
هل كل ناصح للدولة بكل اركانها هو ناقد؟ وهل كل ناقد لها هو بالضرورة معارض؟ وهل كل معارض خطر على الدولة, او يجب النظر اليه بعين الشك والريبة, سواء كان اسلاميا او ليبراليا او يساريا؟ اسئلة فى صميم المعضلة السياسية والقانونية والأخلاقية التى تواجهنا فى هذه اللحظة, ويجب وضعها على طاولة الحوار المعرفي, ونحن ندخل اتون إقرار القوانين الناظمة للحياة السياسية وما يلزمها من تعديلات دستورية, فمساحة التداخل بين تلك المصطلحات, سمحت بالاشتباك غير الحميد او الاشتباك السلبي, فجرى اقصاء شخوص وتيارات وفقا لذلك, وجرى تقريب شخوص وتيارات وفقا لمعادلة الفهم الخاطئ, لهذه المصطلحات.
المفترض اننا نسير نحو الحياة الحزبية في البرلمان والحكومة, ودون فض الالتباس بين هذه المصطلحات او التعاريف, سنبقى أسرى لمرحلة الانطباع التي تنعكس على شكل قرارات مربكة في احسن الاحوال ان لم تكن خاطئة, وافرزت ظواهر عجيبة ليس اولها المعارضة المؤقتة ولا آخرها الموالاة المناصبية, فكل خارج من الحكومة او المنصب هو قنبلة موقوتة, لا نعرف متى تنفجر, وكل داخل الى الحكومة او المنصب هو صامت بموالاة مؤقتة, سرعان ما تنتقل او سرعان ما تتحول الى ادخال مؤقت بالاتجاهين, فالموقف يحمل نمرة صفراء في الاردن, وهي لمن لا يعرف نمرة الادخال المؤقت, فهو حامد مادح اثناء الدخول الى المنصب ولاعن وشاتم بعد الخروج, الا من رحم ربي.
اعترف انني انتقد سياسات الدولة في ملفات الشباب والملفات التي تُطرح تحت شعار الإصلاح السياسى، لانها فى النهاية أقرب إلى التغيير التكيفى منها إلى التطوير البنيوى, والفرق شاسع, بين التكيف والتطوير, فهل لمجرد أننى أنتقد أوضاعاً أرى أنها تؤدى إلى عكس المقصود الأصلى منها ولا تتفق مع الصالح العام للمجتمع والوطن، يصنفنى بعض حاملى المباخر ممن اختاروا أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك من “المعارضين” كما قال احدهم ذات لقاء مع احد مدراء الاجهزة الامنية – عمر في اعماقه معارض- ؟ رغم انني لا أصنف نفسى معارضاً اعتقاداً مني أننا اليوم بحاجة لفرصة كاملة لمواجهة هذا الكم المهول من التحديات على الأصعدة المختلفة، لكن هذا لا ينفى حق المعارض فى أن يعارض طالما أنها معارضة وطنية.
وهنا ندخل في الالتباس مجددا, ماذا تعني المعارضة الوطنية, اجتهد في الاجابة: هى التى لا تكره الحكومة او النظام أكثر من حبها للاردن، فمستعدة أن تدمر الاردن حتى لا يستمر بشر الخصاونة في المنصب او فى السلطة ولا تطرح شعار اسقاط النظام او التعدي عليه باللفظ والاتهامات والهتافات الخارجة على الدستور، هى التى تفرق بين السلطة والدولة كما تفرق بين المتحدث فى شأن الدين والدين ذاته، هى المعارضة التى تعرف الفرق بين معارضة “قانون” معين أو بعض نصوصه وبين معارضة فكرة “القانون” أصلاً , باعتبار أن كل قانون وكل مؤسسة تعبر عن مصالح “الطبقة المسيطرة اقتصادياً او سياسيا” .
المعارضة الوطنية هى التى ترفض أن تستقوى بالخارج كائناً من كان، سواء كان ليبرالياً يظن أن الخارج من حقه أن يتدخل فى شئون الداخل لضمان الحقوق والحريات مثلما ذهب بعض الليبراليين واصحاب دكاكين التمويل الاجنبي، أو موقف بعض الإخوان الذين ظنوا أنهم قادرون على المغالبة، دون أن يراجعوا هم أنفسهم ويعرفوا كم الأخطاء والخطايا التى أوقعوا أنفسهم وأوقعوا البلد فيها. وبعد أن كانت الدولة تحتضنهم والمجتمع يحتضنهم، أصبحت الدولة تحظرهم والمجتمع يلفظهم.
المعارضة الوطنية, لا ينبغى أن تتحول عند حاملى المباخر ومدعي الدفاع عن النظام والملك, الى عدو يجب اجتثاثه او اقصائه, بل يجب ان يتم تفعيل دورها ومنحها الفرصة الكاملة لتنفيذ برامجها, فليس كل ناصح هو ناقد وليس كل ناقد معارض ولا كل معارض خطر على الدولة, بل ربما يكون اكثر حرصا على الدولة والملك من ادعياء الموالاة, في المئوية الجديدة لن ننجح اذا لم نبن الانسان الاردني الجديد.
omarkallab@yahoo.com