مرايا- كتب : عمر كلاب
لا استغرب أن يلتقط مواطن يتمتع بروح الدعابة, تصريح رئيس الوزراء عن مخزون الشعير الكافي لعام كامل, ويتعامل معه بفكاهة, ولا أستغرب بالتناوب التقاط أحد المواطنين, مقطع الشعر الذي استخدمه الرئيس بشر الخصاونة في حواره مع الزميلة عمون «أجمل الأيام لم نعشها بعد«, لغايات المقاربة اليومية, في ظل أزمة كورونا وتداعياتها, الاقتصادية والاجتماعية والنفسية, فما يجري على الأرض مربك ويدعو إلى القلق, سواء على الصعيد المحلي أو الصعيد الاقليمي, فالاقليم كله مشدود على وتر, من ايران الى تركيا مرورا بالجوار السوري والعراقي والفل?طيني.
الفكاهة جملة معترضة في الشخصية الأردنية, فالكشرة سمة نفاخر بها, والضحك مربوط بقلة الهيبة في الوعي الجمعي, وجميعا نسعد ويسعدنا ارتفاع حس الفكاهة في المجتمع, وهو خطوة إلى الأمام لرفع منسوب الهدوء المجتمعي وخطوة متقدمة للولوج الى التعبير الناعم والاعتراض الايجابي على القرار الرسمي او السلوك المجتمعي العام, ولعل تجربة الشقيق المصري حاضرة امامنا, وحتى الكتابة الساخرة هي جزء من منظومة الثقافة والكتابة الابداعية, وللاسف, منذ رحيل الساخر محمد طمليه فقدنا هذا النمط الموجع من السخرية, الا من خلال ومضات بسيطة ظهرت وا?تفت تارة بالموت كما حصل لزميلنا المرحوم العربيات, وتارة في نص لكاتب واعد سرعان ما يغيب.
الفكاهة وحسّها لها حضور في السيرة الاردنية, فكثيرا ما قرأنا واستمتعنا بحوارات فكرية ساخرة في بلاط الملك المؤسس رحمه الله, ونتداول ونتبادل نكات او قفشات السياسيين الساخرين, في وقتنا الحاضر, فكلنا يروي ويتداول قفشات وتعليقات الدكتور عبد الرؤوف الروابدة, او غمزات مفلح الرحيمي وقفشاته الذكية, ولكنة الدكتور كمال ناصر الفلاحية وخفة دمه متعهم الله بالصحة وطول العمر, وكذلك طرافة الحاج محمود سعيد رحمه الله, والقائمة تطول في ذلك, ولم نتعامل معها يوما بخفة او استقواء, بل اعتبرناها جزءا من المنظومة الثقافية والسياسية,?فما تعجز عن نقده بلغة سياسية جافة, تستطيع ان تنقده بخفة دم وتصل الرسائل.
الملفت والمثير للريبة, هو استخدام هذه القفشات او السخريات الشعبية المقدرة والمفهومة, من اشخاص يقدمون انفسهم كقادة رأي – كتاب, رؤساء تحرير, مثقفون وسياسيون- ويقومون بليّ عنقها والاعتداء على براءتها, وتحويلها الى مفردة سياسية تستقصد التقليل من شأن الاردنيين وتصغيرهم, وكأنهم يرغبون في استمرار السلوك الخشن, ويدفعون الى رفع منسوب التشنج في المجتمع, واستثمار ذلك كله لتوسعة حفرة الثقة, بدل محاولات ردمها, فالشعير مخزون استراتيجي للامن الغذائي, وكلنا يدرك ذلك, فالثروة الحيوانية جزء ليس قليلا من الرأسمال الوطني لكثي? من الاردنيين, بدليل انهم يسمونه «حلالا”, ورفع منسوب الامل قضية امن وطني, لأن اكبر خطر على اية امة هو غياب الامل, والامة الاردنية عاشت وتعيش في عين العاصفة, وابرز اسلحة مقاومتها كان الايمان بالدولة والقيادة.
استمرار من يطلقون على انفسهم لقب قادة الرأي, في استثمار المزاج الشعبي والانضواء تحت رايته, يخرجهم اساسا من دائرة التصنيف القيادي او النخبوي, لذلك نرى كيف ان المزاج العام بات غير ملتفت لاقوالهم التي تتناقض مع افعالهم, فهم يسعون الى التناغم مع المزاج الشعبي او الانضواء تحت رايته لتحسين شروط تفاوضهم, ولا يسعون الى تمثيل الرأي العام, ولذلك أخرجوا انفسهم من دائرة الفعل والتأثير, فالاصل انه قائد للرأي العام وليس منقادا له.
omarkallab@yahoo.com