مرايا – كتب :عمر كلاب – حتاج إلى حوار معرفي ومنهجي لتوصيف الحالة الراهنة, فهي من جهة أقرب الى المرحلة الانتقالية, من حيث حزمة الإصلاحات المنوي السير بها تحت القبة بعد دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ, وهي مرحلة اتصال وتواصل مع القديم من حيث السلوك العام في اركان السلطة من جهة اخرى, فرغم الحراك الدائر على قاطع الاحزاب, نجد سباتاً رسمياً, على قاطع السلطة, سباتاً اقرب الى الاسترخاء والاطمئنان, منه الى القلق الايجابي الواجب خلال مراحل الانتقال, فمن قرأ وطالع المراحل الانتقالية في الاقطار المتعددة, يرى شكلا مغايرا لما نراه في واقعنا.
المرحلة الانتقالية حسب المفهوم العلمي الاجتماعي, فيها شيء من سمات السابق, وفيها شيء من سمات المستقبل او القادم المأمول, وما نراه لا يحمل ذلك, فالقاطع الرسمي الذي يجب ان يقود الحراك غائب عن المشهد, والمجتمع السياسي لدينا تم تجريفه طوال سنوات سابقة, اما المجتمع المدني فهو قاصر وغير ناضج ويفتقد في مجمله الى التأثير, لعوامل متعددة, ليس اولها احتكامه للممول الغربي, الذي يسعى الى اطفاء الحرائق, ولا آخرها ضعف القائمين عليه, وتحولهم الى مستثمرين في التمويل الاجنبي وحسب قاعدة ما يطلبه الممول من غايات.
قطعا ليس المطلوب ان تقود الجهات الرسمية, لكن عليها ان تطرح الاسئلة الحرجة وان تسعى الى تنمية الحوار العام وفتح فضاءاته, فهذا المطلوب منها, بعد انتهاء لجنة تحديث المنظومة السياسية, لكن, ليس على قاعدة تشكيل مكتب متابعة, من قليلي الخبرة والذين جرى اختيارهم على قاعدة اقرب الى المحاصصة والمحاباة منها الى المعرفة والخبرة, فالمراحل الانتقالية يكون العصف الفكري فيها اكثر صرامة, مما يتطلب اوزانا سياسية واجتماعية قادرة على استخلاص المسكوت عنه داخل المجتمع, فتزيل الاحتقانات وتجسّر المسافات بين الفرقاء, وما يجري حتى اللحظة, وجبة من العلاقات الاجتماعية, والحوارات الترفية, على موائد الولائم.
مريب حجم الاطمئنان الذي تعيشه السلطة ورجالاتها, من حيث ترك الفضاء العام, المحكوم اليوم, للعنف اللفظي والعنف السياسي, فكل حزب يتولد اليوم متهم, وكل حراك سياسي مطعون في غاياته, وتستمع الى تبريرات مبهمة, على غرار ان هذه طبائع الامور وان الغربلة للافكار والرؤى ستتم في مرحلة لاحقة بعد ان تقول صناديق الاقتراع كلمتها, مع اغفال متعمد, لطبيعة صناديق الاقتراع في بلادنا, والتي عانت من جور العبث بمدخلاتها في مرحلة سابقة, وتعاني اليوم من عزوف وسطوة للمال الحرام, بحيث باتت مخرجات صناديق الانتخاب, غير معبرة او ممثلة لواقع الحال ولطبيعة موازين القوى داخل المجتمع.
المراحل الانتقالية, كما رأينا وقرأنا في مجتمعات كثيرة, تكون متخمة بالافكار والافكار المقابلة وحتى المتضادة, وثمة تسهيلات تقدمها السلطة لكل صاحب فكر ورأي, بصرف النظر عن قبولها لهذا الرأي او مخالفته, وما نراه لا يشي بأننا أمام مرحلة انتقالية ستكون كاشفة لواقع الحال ولموازين القوى, والخشية ان يستكين العقل الرسمي, الى ثقافة هندسة البرامج السياسية وهندسة الاقتراع تاليا, فيصل الناس الى قناعة, بان الاصلاح السياسي يفتقر الى الحماية ويفتقر الى الارادة, وحينها سيكون الاحباط قد بلغ مداه, وتصبح المرحلة بمجملها خاضعة لادوات غير علمية ولا منهجية, وسيعلو التطرف اكثر, وسيكون الشارع هو فضاء الحوار وليس الطاولات المستديرة.
ثمة توق جارف للاصلاح في المجتمع, وخاصة في القاطع الشبابي, لكن الرسائل المرسلة والمسلكيات السائدة, لا تشجع الكثيرين على خوض التجربة او الانغماس فيها, ولا بدّ من رسائل اصلاحية تشجع الناس أكثر.
الرأي