مرايا – كتب: عمر كلاب
كان دارجا في مطاعمنا الشعبية مفهوم التصليحة, وأذكر كيف كانت هذه التصليحة جزءاً من السلوك العام, او اتفاقاً ضمنياً بين الفوّال او صاحب المطعم والزبون, ولمن لا يعرف معنى التصليحة من ابناء الرفاه او الجيل الجديد, فهي ملعقة حمص او نصف مغرفة فول اضافية بعد ان ينتهي الزبون من تناول موجودات صحن الحمص او الفول, فيبقى جزء من رغيف الخبز او لا يشبع الزبون فيطلب تصليحة من الفوّال الذي كان يقدمها عن طيب خاطر ودون ضجر او اضافة على السعر, وكانت التصليحة اقرب الى صحن الفول منها الى صحن الحمص الدخيل على سفرتنا نسبيا.
التصليحة اضافة او اعادة ترتيب صحن الطعام, وهي جزء من ثقافة اشباع الجائع وتقديم كل ما يلزم كي يخرج الزبون راضيا, وفيها كثير من كرامة, فلربما لا يملك جائع ثمن اكثر من صحن, فجاءت التصليحة لتشبع جوعه وتحفظ كرامته, كذلك ربما تكون التصليحة جزءاً من دور اجتماعي, لم يكن معرّفا في ذلك الوقت, كما هو مُعرّف اليوم, فقد كان المجتمع لا يحتاج الى تشريعات لحفظ كرامات الناس او لإعلاء ثقافة التعاون والتعاضد, فكل الناس كانت تشعر مع كل الناس, ورغم محدودية الموارد وضعف الاحوال, الا ان الصحن الدوار كان سيد الحارة الواحدة لدرجة ان لا احد يذكر مالك الصحن الاصلي الذي انتقل بين كل بيوت الحارة والتصليحة كانت جزءاً من كل هذا الكرم.
تصريحات المسؤولين السابقين والكثير من تصريحات المسؤولين العاملين, وتحديدا الساخنة او التي تخالف المأمول منهم او المعروف عنهم, يجري دوما الحقاها بجملة باتت لازمة, لقد تم اخراج التصريحات عن سياقها او تم اجتزاؤها, واصبحت التصريحات بنسختها الاولى بحاجة الى تصويب وتصليح, اي انها بحاجة الى تصليحة تمام مثل صحن الفول المنهك من غضب اصابع الجائع الذي يسعى الى مزيد من الغموس لخبزته الباقية, لم اكن ارغب التعليق على تصريحاتهم, لولا جملة تم اخراج التصريحات عن سياقها او تم اجتزاؤها, فكيف مثلا جرى اجتزاء تصريح او لَيّ عنق جملة, وقد خرجت من فم قائلها, الذي يفترض به ان يدافع عن جملته وكلمته او على الاقل ان يعتذر عنها بكرامة, دون القاء اللوم على جمهور السامعين او الصحفيين الذين ينقلون الحديث او التصريح.
تصليحة الساسة اقل مهارة وكفاءة من تصليحة الفول, التي كانت تتم بسرعة واتقان ومهارة فائقة, ودون اي اضافات او الحاق جمايل او منّة على الزبون, كما يحدث اليوم في تصليحة طبق السياسيين الذي بات باردا وخاليا من الدسم, لكثرة ما يلحسون تصريحاتهم, التي عادة ما تأتي حصيلة غضب ما, او نتيجة استثناء ما, فلا يوجد سياق ممنهج لكل تصريحاتهم, ليس بوصفهم العقل الذي ادخلنا في الازمة, بل لانهم لن يكونوا ابدا العقل القادر على اخراجنا من الازمة, ذلك يسعون الى حصد مجموعة لايكات شعبية, او مجموعة اتصالات تسألهم عن سرّ غضبهم, فقد اعتادت السلطة ان تتجاوب مع شاتميها ومنتقديها اكثر مئات المرات من الاستجابة لمن يسندها, لذلك تعالت بين ظهرانينا ظاهرة التصريحات الغاضبة والتي تفتقر الى المنطق العلمي والكياسة السياسية, والتي بالعادة يلحقها نظام التصليحة السياسية البائسة, بأن الجمهور عجز عن الفهم واجتزأ التصريح الملهم, او ان الاعلام عبث بالمكونات واخرجها عن سياقها, لكن لا احد يقول يوما لقد ناورت او رفعت السقف لغاية في نفس يعقوب, ودوما تلحس هذه الطبقة تصريحاتها, ولذلك تراجعت وفقدت اثرها وتأثيرها.
omarkallab@yahoo.com