مرايا – كتب: عمر كلاب
طويلا ما اشتكى الشارع الشعبي والسياسي من تلكؤ الحكومات وتأتأتها, في إدانة العدوان الصهيوني على الأرض والمقدسات الفلسطينية, رغم السند الملكي الذي يوفر لأي حكومة اجراءات وعبارات صلبة ومتينة, لكن حكوماتنا كانت بالعادة ودودة في الادانة او تكتفي بالصلابة الملكية, وتكرر نفس الجمل الممجوجة في بيانات وتصريحات بالعادة منسوبة الى مصدر حكومي دون ذكر اسمه ووظيفته, او للناطق باسم وزارة الخارجية, ونادرا ما يكون باسم وزير الخارجية, امس قلب الدكتور بشر الخصاونة المشهد رأسا على عقب, وادلى بتصريح صلب وقوي ويتناغم مع الموقف ?لشعبي ويظهّر الموقف الملكي في ذات الوقت, حيّا فيه المرابطين في «الأقصى» وصمودهم في وجه الة الحرب الصهيونية بحجارتهم وارادتهم.
هذا التصريح أثار حفيظة قادة الكيان الصهيوني, بالاضافة الى اجراء قبله بحيث تم ما يشبه اغلاق الحدود والتضييق على الصهاينة المسافرين, فجاءت ردود فعلهم غاضبة وخارجة عن السياق المألوف, من ابداء الغضب والتهديد, بالعادة تصريحات العرب التي تحمل هكذا انفعال وفي اضيق الحدود للامانة العلمية, كذلك كان استدعاء القائم بالاعمال وتحميله رسالة قاسية, وكل ذلك لم تعرفه الديبلوماسية الاردنية قبلا, فتناغم المسارات يشير بوضوح الى ان الدكتور الخصاونة السفير والوزير وابن وزارة الخارجية ادار الملف بقلبه ووجدانه, وفي العرف الديبلوم?سي القى نفسه في معركة ضارية او في بطن الغول, وهذا يحسب للخصاونة.
طبعا لا شيء يغري الشارع الاردني على طول وعرض البلاد, اكثر من هزيمة المشروع الصهيوني والانتصار لفلسطين, فرغم كل ازماته الاقليمية, وقلة حيلته الاقتصادية, الا ان الشارع الاردني قابل باي ثمن مقابل موقف قومي نبيل ودعم مشروع المقاومة الشامل للكيان الصهيوني, وجاءت تصريحات الخصاونة متطابقة مع الوجدان الشعبي بالكامل, ودون اي رتوش ديبلوماسية او تسكين او تلكؤ او تلعثم, فهذه فلسطين واقدس اقداسها, ونجح الرئيس الخصاونة في اشعال نار في الكيان, واي نار هناك برد وسلام هنا.
الموقف الاردني من القدس والمقدسات وفلسطين, لا يحتاج الى من يقدمه او يمجده, فهو موقف يحظى باحترام كل منصف, ويحظى بتقدير مضاعف من كل اطياف الفصائل والسلطة الفلسطينية, فهو ربما يكون العربي الوحيد الذي يحمل الملف بكل صلابة وما زال هو الملف الاول اردنيا, ورغم كل حرائق الاقليم وضغوطاته وتجاوزاته على الدور الاردني بدعم من الإدارة الأميركية السابقة إلا أنه أمسك على الجمر وبقي على عهده ووعده, ولكن بقيت دوما ثغرة في الموقف الحكومي, عصية على الفهم, الى ان اعاد الخصاونة توحيد الصورة مع الاطار, الصورة الرسمية مع الاطار?الشعبي ويقدم موقفا صلبا استفز قادة الصهاينة.
كثيرون راهنوا على أن دخول الأردن في المشاريع الإبراهيمية الاقتصادية, ستجعله اقل قدرة على المواجهة الصلبة, لكنه اثبت انه ما زال صلبا وصامدا, رغم الاثقال والاعباء السياسية التي تعكسها هكذا اتفاقيات, والعوائد الاقتصادية التي تجنيها الحالة الاقتصادية ايضا, وهي موازنة تحتاج مقاربات من طراز مختلف, ريما ليس وقته او مكانه في هذه المقالة, ولكن ما زال لدى الاردن اوراق ساخنة يستطيع ان يتغلب بها على الحالة الراهنة, وما زال هناك اوراق اقليمية يستطيع الاردن ان يتفاعل معها لتصليب موقف, وهذا الملف يحتاج الى عناية وبحث اكث? عمقا, لزيادة المناعة الوطنية وزيادة الصلابة الاردنية.
ما فعله الخصاونة بتصريحاته حيال «الأقصى» والمقدسات ربما يدخله في معارك كثيرة, لكنه بالقطع قد نجح في ربح معركته الاكبر, وهي معركة الحفاظ على الوجدان والضمير الوطني الاردني والشخصي له, وهذا يكفيه, فالمواقف معادن الرجال وهو من معدن طيب وأصيل.
omarkallab@yahoo.com