مرايا – كتب: عمر كلاب
كل الأمل أن ندخل عصر السياسات الاقتصادية العابرة للحكومات, بعد الانتهاء من ورشة الديوان الاقتصادية التي باتت مخرجاتها على الابواب, وستحال هذه المخرجات الى مجلس النواب في دورة استثنائية كما تقول الاخبار الواردة, هذا يقول اننا دخلنا عصر السياسات وعدم الاكتفاء بالمشروعات, لكن كي نتبنى سياسات سليمة, يجب أن نضع نصب أعيننا اولاً ان الاردن بحاجة لتدفقات نقدية كبيرة, وأخشى أن ننشغل في فكرة اللجان ومخرجاتها دون الانتباه الى الاعمال المطلوبة من الجميع, وعلى رأسها مراجعة جذرية لما يسمى وزارة الاستثمار, ونحن على ابواب قانون استثمار جديد, لذا أرجو أن تفكر الدولة جدياً أن يتم تشكيل «مجلس أعلى للاستثمار» برئاسة الملك, للخلاص من الخلافات الكثيرة بين الوزارات، ولا أقول وزراء، الاستثمار والمالية ومحافظ البنك المركزى، بحكم الترابط وهو للتوضيح وليس واقعا, فهذه الخلافات يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على قدرتنا على إدارة فرصنا ومواردنا على النحو الأمثل.
تقول دراسات التنمية إنه لا بد من وجود فريق تخطيط استراتيجي لبرامج الاستثمار في الدولة, يكون فريق العمل في المجلس هذا, مكوناً من عدد محدود من الأشخاص يتفاوت من دولة لأخرى بحيث كان فقط 8 خبراء في بعض الدول ووصل إلى 24 خبيراً في دول أخرى, المهم أن هؤلاء يتمتعون بخصائص علمية وتجارب حياتية تجعلهم العقل المفكر للدولة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتكون عضويتهم في هذا الفريق هي العمل الوحيد الذي يعملونه، فيفكرون طوال اليوم، كل أيام الأسبوع في كيفية النهوض بأوضاع الوطن, وهم بذلك أطراف مباشرون في عملية تنموية ذات أطراف خمسة: رأس الدولة ورئيس الحكومة، والوزارات والجهاز البيروقراطي، الشركات والمؤسسات الدولية، والقطاع الخاص، والنقابات المهنية والعمالية.
المجلس الاعلى ليس مخترعا اردنيا بل موجود في كثير من الدول التي مرت بتجربة مماثلة لتجربتنا وحققت نجاحا لاحقا, وله أسماء متعددة في دول عديدة، ولتوضيح الفكرة فقط اقترحت «المجلس الاعلى للاستثمار»، الذي كان اسمه في ماليزيا مثلاً «وحدة التخطيط الاقتصادي» والتي بدأت في الستينات بعدد بلغ 15 شخصاً، نصفهم كانوا من العقول الماليزية المهاجرة. والرأس الأخضر اعتمد بدءاً من منتصف السبعينات على ثلاثة عقول اقتصادية جبارة حول رئيس الوزراء الذي كان وزير التخطيط والضمان الاجتماعي أيضاً, وتايوان ابتكرت مجلساً تحت اسم مجلس المعونة الأميركية الذي كان يضم عدداً من الخبراء التايوانيين والأميركيين، وكان هذا المجلس على اتصال مباشر برئيس الجمهورية من خلال اجتماعات شبه أسبوعية, وتشيلي اعتمدت على مجلس أطلق عليه إعلامياً اسم «فريق شيكاغو» نسبة إلى حصولهم على درجاتهم العلمية من جامعة شيكاغو العريقة واعتقادهم في الإطار الفكري الذي تقدمه, إذاً، دور هذا الفريق لا يمكن إغفاله ولكن هذا دور محدد بدقة, فلا ينبغي أن يتسع أكثر من اللازم فيتحول إلى حكومة موازية أو أن يضيق أكثر من اللازم، بحيث لا يكون أكثر من مجلس استشاري بلا دور من الناحية العملية, وهذه هي مهارة صانع القرار الذي يعهد لهذه العقول المبهرة والنيرة بمثل هذه المهمة.
هذا الفريق عليه مهمة تصميم استراتيجيات الاستثمار على الورق, والمقصود بالورق هو كتابة خطة محكمة تناقش بكل شفافية الخطوات الإجرائية لتحقيق التنمية, ولأنهم لن يستطيعوا أن يحلوا كل المشكلات الاقتصادية بالتوازي فعليهم اختيار المجالات الأولى بالاهتمام على أساس معيارين, أولاً: يكون للدولة فيها قدرة تنافسية كبيرة بحيث تستطيع عملياً أن تبرز فيها بمجهود أقل من أي مجال آخر, والمعيار الثاني أن يكون هذا المجال استراتيجياً وقادراً على أن يكون قاطرة النمو التي تجر وراءها بقية القطار الاقتصادي الاجتماعي، أي مجال له تأثير إيجابي على مجالات اقتصادية واجتماعية أخرى، أي يكون لها (spill over effect) كما يقال بالإنجليزية, وأظنه لدينا القطاع السياحي, فمثلا كانت هناك خطة ذات 19 نقطة لإصلاح القطاعين المالي والإنتاجي في تايوان, وفي ماليزيا تبنت الدولة «السياسة الاقتصادية الجديدة» منذ عام 1971 لكنها طبقتها بفعالية أكثر مع تولي مهاتير محمد السلطة في عام 1981, اي نحن لا نخترع العجلة ولكننا نقرأ التجارب الناجحة المشابهة, فكلها دول ليس لديها موارد نفطية ولا تملك سوى عقول قادرة على المنافسة وهذا متوافر في الاردن بكثافة لمن يرغب في الاستفادة.
omarkallab@yahoo.com