مرايا – بقلم: عمر كلاب
تعالوا نتحدث في مشاكلنا دون خوف او محاباة, فما شهدناه في الاسبوع الفائت من حوارات تفاعلية, كشف بأن الكوليرا الفكرية منتشرة منذ سنوات طويلة, سنوات من الحقد والكره للمخالفين في الرأي والعقيدة والمذهب, بل لعلها من صفاتنا الاصيلة في المجتمعات العربية والمجتمع الاردني ليس نشازا, مع كل وفاة لمخالف لنا في الدين تبرز نفس الاسئلة, ومع كل وفاة لمعارض تبرز نفس المشكلة, وكأن الفكر «الداعشي» ليس مستورداً ولا منتجاً في مختبرات الغرب الاستخبارية كما كنا نعتقد, فما رأيناه من «داعشية» في الأسبوع الأخير يفيض عن حاجة كل مختبرات الغرب الاستخبارية, فنحن ببساطة نهشنا لحم الضحية, سواء من أيد شهادتها أو من نفاها, باستثناء قلة قليلة كانت تتحدث بالفكر الإنساني الشمولي الذي يحترم قيمة الإنسان, وفقاً لتعليمات الخالق, وليس وفق تعليمات وكلائه على الأرض من كل الأديان.
هذا السياق ليس محصوراً في الملعب الديني فقط, بل في كل الملاعب الحياتية, السياسة والاقتصاد والاجتماع, ولأنني ممن يحبون الاطلالة على المخالف, فقد أحببت وما زلت الشيخ محمد متولي شعراوي رحمه الله, رغم يساريتي الاسلامية, ويمينيته الفكرية, واستحضر عبارة مدهشة قالها الشيخ شعراوي مفادها «ﻻ توطن نفسك على المعارضة بلا إنصاف، فدوام الخلاف من اﻻعتساف، وﻻ توطن نفسك على المواﻻة بلا استحقاق، فدوام الوفاق من النفاق”, هذه العبارة قالها الشيخ الشعراوي، وهي سهلة القول، عظيمة المعنى، صعبة التطبيق، تحتاج تدريباً ذهنياً، تحتاج أن نكون موضوعيين، أي أن نناقش الموضوع بغض النظر عن الأشخاص، أن نناقش المنتَج بغض النظر عن المنتِج، ومن التقاليد العلمية المستقرة في الخارج أن ترسل المجلات العلمية ودور النشر المتخصصة, كتباً أو مقالات للتحكيم دون أن يكون مكتوباً عليها أي إشارة لصاحبها حتى يناقشوا ما هو مكتوب دون أن يتأثر المحكّم بأن فلاناً صديقي أو منافسي أو عدوي، ناقش المنتَج.. وليس صاحبه.
أي الموضوعية, وتلك سمة نرددها ولا نمارسها, فالموضوعية في اضيق تفسيرها يمكن اختصارها في اسم اشارة واحد هو «انت”, انصاف, «فنقول الحق”, ونزاهة, «فلا نخلط المواقف والمصالح» وتوازن «فلا نبالغ”, فالموضوعي, بارع فى كسب النقاش، دون أن يخسر الأشخاص, لكن الممارسة تؤكد أننا ننجح في خسارة الأشخاص ولا نكسب القضايا، كم من أصدقائنا فقدناهم في الفترة السابقة، وبعد ما فقدناهم هل حللنا أي مشكلة؟ أليس من الأفضل أن نتحاور معهم بـ«أنت» فإما نقنعهم أو يقنعوننا أو نظل مختلفين، كلمات الشعراوي السابقة ستجدها في الخارج أكثر مما تجدها في الداخل، ستجدها في دولة الاحتلال الاسرائيلي، فالقرآن يقول عن يهود المدينة إننا نحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، ولكنهم نجحوا في أن يبحثوا عن نقاط الالتقاء من أجل مصلحة كيانهم، ولم يتبنوا منطق المناضل الرافض تحت شعار «خلقنا لنعترض», والاعتراض منطقي في موضعه، ولكن الاعتراض الدائم يفقد الإنسان مصداقيته أو على الأقل تأثيره خارج إطار من يتبنون منطقه.
قول الشعراوي مرة أخرى, «ﻻ توطن نفسك على المعارضة بلا إنصاف، فدوام الخلاف من اﻻعتساف، وﻻ توطن نفسك على المواﻻة بلا استحقاق، فدوام الوفاق من النفاق»، صحيح، دوام الخلاف من الاعتساف يعني من الظلم، ودوام الوفاق من المهادنة والمنافقة، ولكن افتعال الخلاف أو افتعال الوفاق رغبة في الشهرة أو الزعامة الزائفة يجيدها كل خفيف بلا قضية، ويستجيب لها كل خفيف بلا عقل، أحسب أن الرزانة، كل الرزانة، أن تستمع لآراء الناس باهتمام واحترام، ولكن لا تجعلهم قِبلتك، لا سيما في المجالات التي أنت أعلم منهم فيها، ولنُحط أنفسنا بقلة من الأشخاص متنوعي المشارب ناضجي العقول من أهل الرأي والعلم والحلم والمشورة، كي يكونوا ضميراً خارجياً لنا، يراجعوننا حين نخطئ، ويدعموننا حين نصيب, لو كنت أملك أمراً, لجعلت هذا المرض أولوية الأولويات، لا أردن جديد إلا بإنسان أردني جديد. omarkallab@yahoo.com