مرايا – بقلم: عمر كلاب
عندما أطلق المجلس الاقتصادي والاجتماعي تقريره الأول عن حالة البلاد، حقق المجلس وقتها اختراقاً هائلاً في السلوك العام, لدرجة أربكت الحكومة وقتها، والتي حاولت جاهدة اطفاء الاضواء عن التقرير، الذي كان قفزة في المراجعة والتشخيص للأزمات العامة، وكانت خلاصة التقرير كاشفة وصادمة، فنحن نعيش حالة إنكار لكل الأزمات، كذلك نعاني من فجوة معرفة في المشاكل والعوائق، قامت هذه الفجوة بتعزيز أزمة الثقة التي نعاني منها اليوم.
يبدو أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المئوية الثانية بحاجة إلى مراجعة منهجية لدوره ووظيفته بعد أن أصبح تقرير حالة البلاد، مكروراً ولا يحقق الغاية الرئيسة منه، أي التطوير بما يتلاءم وجذره التأسيسي, بعد أن جازف المجلس بالخروج عن أبجديات التأسيس، التي تتناقض مع روح التطوير والحداثة المطلوبة، فالحداثة والتحديث شيء والخروج عن الفهم الحقيقي لأصل الفكرة شيء آخر، واظن أن الفترة السابقة شابها بعض هذا الاختلال بين المعرفي والمسلكي في طريقة تقديم المجلس لنفسه ولدوره، فجوهر عمل المجلس يكمن في أنه مؤسسة استشارية تمثل أوساط المجتمع وفئاته المختلفة، وتهدف إلى تشجيع الحوار الإيجابي وبناء التوافق بين الشركاء.
خلال تقديم التقرير الرابع لحالة البلاد قدم رئيس المجلس الدكتور موسى شتيوي مقاربة منهجية تضع المجلس على قاطرة العمل المنتج, وإذا ما تحققت النوايا بالعمل الجاد، فإن المجلس الاقتصادي الاجتماعي يسترد أصل فكرته ومنهج عمله, بوصفه ليس سلطة رقابية أو سلطة تنفيذية, بل هو أقرب إلى أن يكون المختبر الذي يتم من خلاله فحص القرارات والقوانين والاداء بما يخدم فكرة الدولة وواجباتها في تحقيق الرفاه والحياة الكريمة لمواطنيها، فهو أقرب ما يكون الى فكرة مؤسسات حماية المستهلك، وليس إلى مؤسسات الرقابة, فهو يدير الحوارات ويقدم الخلاصات إلى السلطة التنفيذية، فهو يلتقط الأوامر والإشارات الملكية والسلوك الحكومي الاجرائي في تنفيذ هذه الأوامر والتكليفات ويقيس حسن رضا متلقي الخدمة أو ملاحظاتهم وملاحظات الخبراء ويستخلص النتائج ويقدمها إلى السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الوزراء.
ربما جازف المجلس في فترات سابقة، بإنتاج دور يفوق قدرته ودوره المنصوص عليه في نظامه وأدبياته، لكن ذلك لا يمكن أن يصبح أساساً أو نهجاً، فنحن ثابتون على النهج وربما نختلف على المنهج في الدور والوظيفة، التي غلب عليها في فترة سابقة الرغبة وليس القدرة، أو المكنة القانونية، للمجلس وأدواته، وبالتالي فإن القادم يجب أن يكون أكثر انضباطاً بالدور والوظيفة، بتقديم مكامن القوة وآمال التطور في القطاعات المختلفة عبر التركيز على قطاع بعينه كل عام وليس استعرض كل مفاصل وأدوات الدولة التنفيذية كما هو الأمر الحاصل الآن وهذا ما كشفه شتيوي في كلمته أمس وفي طوحات المجلس القادمة وما أثنى عليه كثير من المراقبين, فإذا كان تقرير حالة البلاد الذي هو جهد مقدر وفكرة رائدة سابقاً، لكنه اليوم لم يعد كذلك, لذلك على المجلس ان يسعى إلى تثقيف هذه الفكرة نحو تركيزها قطاعياً، وعلى أسس التراتبية والأهمية وليس على أسس الرقابة والمحاسبة فهذا هو الأصل في عمل ودور المجلس.
omarkallab@yahoo.com