مرايا – بقلم: عمر كلاب
لكل حرب بقية من سابقتها, وحرب الاستقلال فيها الكثير من البقايا, فالاستقلال كان ثمرة حرب مظهرها سياسي وتفاوضي, ولكن جوهرها عسكري خالص, جرت على الجزء المستهدف فعلا من الاستقلال وهو ارض فلسطين, ابدأ بهذا لأن ثمة وعي كامن يظهر في كل مناسبة استقلال, بأن الاردن حقق استقلاله بدون شهداء ودماء, وكأن الحروب والشهداء على ارض فلسطين كانت جزءا من نخوة فردية, او محاولة لما بعدها من نكبة, ومن يقرأ ادبيات كثيرة لفصائل عسكرية وسياسية يعرف تماما حجم الاجتراء على الدور الاردني وعلى استقلاله, كثمن لقيام كيان الاحتلال الاسرائي?ي.
الاستقلال بمعناه الناجز بدأ في العام 1946, وتمظهر جليا في تعريب الجيش العربي – القوات المسلحة الاردنية- التي خاضت بعد عامين من الاستقلال, حرب فلسطين الاولى, وقبلها كانت على شدة سطوة الانجليز داخل الجيش سندا استراتيجيا لكل الثورات الفلسطينية في فلسطين, وبعد التعريب بعقد تقريبا خاضت معركة الكرامة الخالدة, وقبلها كانت قد خاضت حرب دولة الوحدة مع الاشقاء العرب الذين ادخلونا حربا تحتاج الى الكثير من الوقفات والى ضرورة ابراز الرأي الاردني في عدم خوضها, لكن الانظمة العربية بتمظهرها القومي كان لها رأي آخر, لم يملك ?لاردن وقيادته في ذلك الوقت غير الالتحاق بالركب رغم معرفة النتائج سلفا.
الاستقلال, لم يُنجز على طاولات التفاوض, او ضمن صفقات وتسويات, بل كان ثمرة عمل متشابك, قدم فيه الجيش العربي الكثير من الدم, شهادة وجرحى, لكن الحالة العامة في تلك اللحظات الفارقة, اخفت الكثير, وللاسف انتقلنا بعدها كدولة الى خانة الدفاع عن المواقف بدل المبادرة, ربما بحكم قلة الحيلة الاقتصادية, وليس قلة الهمة لرجال الاردن في ذلك العصر, وولجنا مرحلة البناء فيما بقي من ارض الوحدة, مع تحمل اعباء النصف المحتل, حتى بعد القرار الاداري بفك الارتباط مع الضفة الغربية, وهو قرار رئيس الوزراء في ذلك الوقت, وبعد قيام السلط? الوطنية الفلسطينية.
عشرون عاما ونيف من عمر الدولة 1946- 1968, لم يحظيا بالمتابعة والتحليل, لتكون هذه الاعوام هي محور ومرتكز السردية الاردنية, التي تعاني اليوم من ضعف وعدم تماسك, نتيجة اغفال تلك الحقبة ونتيجة تجاوز حقائقها اكراما لكثير من الانظمة العربية, ومحاولة لارضاء فصائل تحالفت مع هذه الانظمة وروت خطاب تلك الانظمة في ادبياتها, فدفعنا الدم والغُرم للاسف على ضفتي النهر, وفاز غيرنا بالغنم, رغم اننا كدولة وجيش خضنا في العقدين المشار اليهما ثلاث حروب مباشرة, والكثير من المعارك المباشرة وحرب الاستنزاف المتصل.
في استذكار الاستقلال ومواقيته, يجب العودة الى التاريخ, ليس من باب النبش او التفتيش في الطعام البائت, بل من بوابة بناء السردية الوطنية, التي قامت عليها الدولة الاردنية, كدولة رسالة وثورة, وبالتالي مقاومة لها شكلها المتفرد, فهي قامت وتقوم بكل اشكال المقاومة العسكرية والسياسية, فالحرب بمعناها الحقيقي ما زالت قائمة وتأخذ اشكالا متنوعة, من حرب المخدرات على الحدود الشمالية وهي حرب عنوانها المخدرات ولكن جوهرها مخالف تماما, الى حرب صفقة القرن في المحافل الدولية, وكلها حروب يدفع الاردن والاردنيون ثمنها يوما بعد يوم?
هل كانت المسيرة طوال هذه السنوات دائمة الصواب, بالضرورة ارتكبنا بعض الاخطاء ولكن لم نركتب الخطايا, لكنها كانت تقديرات محكومة بفقه الواقع حسب مواقيته وتوقيتاته, وحسب موازين القوى لكل عصر, فمن كان يقدر على مجابهة الناصرية بعنفوانها في العام 1967؟ ومن يقدر على مجابهة رواية انظمة البعث فيما تلاها, ومن باب التأريخ نقرأ اليوم نتائج هذه التجارب الناصرية والقومية, ليس من باب المناكفة ولكن من باب المكاشفة, وللحديث اكثر من بقية, فالهدف هنا استحضار التاريخ لبناء السردية الغائبة.
omarkallab@yahoo.com