مرايا – بقلم: عمر كلاب
هل تأخرنا في الإصلاح بأطرافه الثلاثة حتى داهمتنا الاسئلة الحرجة كلها دفعة واحدة؟ هل استهلكنا كل رصيد الثقة مع الناس, حتى نطالبهم بفرصة جديدة لمنح الرؤية الاقتصادية والاصلاحات السياسية المدى القصير اللازم للظهور على ارض الواقع؟ هل تمادينا في تقديرنا لواقعنا الداخلي وظروفنا الاقليمية المحيطة حدّ انكار الازمة, وبالتالي صدمنا الواقع الداخلي والموضوعي, فلا رحمنا الداخل ولا هو قابل بتقدير حجم الازمة الاقليمية وارتدادها على الداخل؟ الاجابة على هذه الاسئلة هي مفتاح الحل, لانها ستكشف للناس الكثير من الوقائع وستكشف إن كان ثمة تغيير في سلوك الحكومة حيال الازمات وبالتالي منحها الصبر المطلوب لتظهير البرامج وخطوات التنفيذ اللازمة على المدى القصير, الذي سيبني مدماكاً للثقة والتفاعل على المدى الطويل.
من واقع الفهم لطبيعة التركيبة الاردنية في مواجهة الحوادث والاحداث, سأبني سردية تتناغم مع هذه التركيبة, فالاردني اعتاد ان يتعامل مع الحوادث القصدية او حوادث الصدفة والحوادث غير القصدية, بمنظومة حل ثلاثية الابعاد, تعامل معها الاردني قبل دخول ثورة الابعاد الثلاثية التي ارهقنا فيها اتباع المدرسة النيوليبرالية, فهو كان يقبل اولا بعطوة اعتراف, ثم بعطوة صلح ثم جبر الضرر, فيعفو عن الشق الثالث او يقبل بالتعويض, هكذا هي نموذجية العقل الاردني, سواء السياسي منه او الاجتماعي, فما زلنا مجتمعا يتلمس خطواته السياسية بالمعنى التنظيمي, وما زلنا نعاني من غياب فقه التشريع الذي يقود الى تحديد السلوك المطلوب, سواء على المستويات الاقتصادية او المستويات الاجتماعية.
نبدأ من الاعتراف بأننا اضعنا الكثير من الفرص, واستهلكنا الكثير من الرصيد لحماية برامج كسولة وممجوجة لا تخلق حلولا بل تعتمد على ترحيل الازمات, لتنفجر في حضن القادم, فانحاز كثير من اعضاء الفريق الحكومي سابقا ولاحقا الى تسكين الازمات, او الاختباء او الانكار, طبعا مع بيع مزيد من الوهم بالخروج من قعر الزجاجة وعنقها, فمنذ سنوات الربيع العربي العجاف, ونحن نشتري الوقت ونرحل الازمات, على امل ان تنتهي السنوات العجاف وتأتي السنوات السمان, لكن السنوات العجاف انتهت مخلفة سنوات محل عربي, بخروج تسعة دول من المنظومة العربية اما الى خانة الفشل او خانة الضياع, ومن نجا انكفأ على ذاته وبات يتحدث بمصلحة قُطرية ضيقة, كل ذلك حدث ونحن نفكر بنفس الطريقة السابقة, الدعم الخارجي وضرورتنا الجيوسياسية, ولم نفكر بالبناء الذاتي والانتقال من الريع الى الاعتماد على الذات.
جاء وباء كورونا فأعاد الاعتبار الى فقه البناء الذاتي, فالعالم انغلق برغبة او لضرورة, فانكشفت وتكشفت مكامن القوة ومكامن الضعف في البناء الذاتي وتبين الحجم الحقيقي لضرورتنا الجيوسياسية, وتلك فرصة نادرة لم تكن لتتحقق لولا الوباء وسنوات الربيع الاسود, نعم الوباء كان فرصة والربيع العربي كان هبة من الله, لكشف ما في صدور كثيرين نحونا داخليين وخارجيين, وجاءت لحظة الحقيقة, وكانت الاستجابة الوطنية ولا اقول الرسمية فقط, كاشفة لمكامن القوة, التي تم البناء عليها, منظومة تحديث سياسي, ورؤية اقتصادية قابلة للتحقيق, فجميعنا يعلم اننا نعيش على كنز في باطن الارض وعلى سطحها, فالمعادن موجودة والاثار والمسارات الخضراء والمقامات نراها بالعين المجردة, لكنها تحتاج الى خطوات تنفيذية صلبة ومتزنة ومتصلة, ولا تخضع لمزاج او رغبة, بل لبرنامج وطني شامل ومتكامل, ينهض بالاقتصاد ولا ينهض بقطاع.
وهذا يتطلب نهجاً جديداً, يقول في ابسط ادبياته ان الاصلاح يحتاج الى اصلاحين, وان الاقتصاد يحتاج الى اقتصادين, لنقود المرحلة القادمة بمنهج هذا قوامه, فمرحلة كورونا انتهت, والاقليم كشف لنا من معنا ومن يقف على الحياد ومن ضدنا, واظن ان المكاشفة في عهد هذه الحكومة تحقق تقدما معقولا, فجرأة وزير الداخلية حميدة, وخطوة وزير المالية في خطوة اليورو بوند عظيمة, والتزام الرئيس المرن بمخرجات الرؤية الاقتصادية دقيق, فالرؤية تحتاج الى جهد وطني شامل وليس الى جهد حكومي فقط, ولكن على الحكومة ان توفر البيئة الصديقة والآمنة للمشاركة وحسن التنفيذ, ويبقى الالتزام بجبر الضرر وتعويض الاردني عن ما تحمله من اعباء اقتصادية وسياسية, وهذه ايضا جزء منها مسؤولية المواطن نفسه, بأن يقوم ببرمجة موازنته الذاتية حسب دخله, فما زال سلوكنا الاستهلاكي مناقضا لظرفنا المعيشي.
هذه لحظة وطنية فارقة, لا يجوز فيها استحضار اسوأ ما في الذاكرة من تراث, بل استحضار نهج ومنهج الصمود الذي اعتاد الاردنيون على استحضاره كلما طرق الخطر ابواب الدولة.
omarkallab@yahoo.com