مرايا – بقلم: عمر كلاب
لا يقلق الاردن بمستوياته الشعبية والرسمية من تراجع او فتور علاقة, كما القلق من اي فتور او تراجع في العلاقة مع السعودية, ليس لحسابات الربح او الخسارة بالمعنى السياسي والاقتصادي, بل بالمعنى الاستراتيجي العميق, فثمة روابط وتشابكات في العلاقة بين البلدين, اقرب الى تشابك اصابع اليدين في الجسد الواحد, يصيب اليدين, وفي الآونة الاخيرة جرى كثير من اللغط عن العلاقة وفتورها, رغم تصريحات الرسميين من البلدين بأن العلاقة في مداها الطبيعي, دون انكار لبعض التباينات في المواقف التي لا تنعكس على جوهر العلاقة ومتانتها, فرغم ?ل العواصف التي شهدتها المنطقة العربية, من عاصفة الخليج الى عاصفة الحزم, بقيت العلاقة الاردنية السعودية ثابتة وراسخة.
اليوم ونحن نترقب لقاء مهم طال انتظاره, دعونا نحتكم الى المناهج التي تُستخدم في تحليل العلاقات الإنسانية على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول, وهو منهج التواصل، الذي يسمى في العلوم السياسية والعلاقات الدولية «التواصل السياسي» ويقول أنصار هذا المنهج إن كثيراً من توترات الحياة السياسية داخلياً وخارجياً تنشأ عن غياب أو ضعف أو تشوه التواصل بين الفاعلين المختلفين, والاردن والسعودية الآن فى حالة مشابهة تعبر عن حالة من «تشويش في التواصل”, بحكم الجيوسياسي المعقد للبلدين, مما يحتاج الى تعميق التواصل واستدامته, على اسس قائمة على تفهم كل طرف لتعقيدات الجيوسياسي لجواره.
فإذا كانت اليمن صداعا للشقيقة السعودية بعد النفوذ الإيراني المتمثل في الحوثيين, فإن الرأس الاردنية تعاني من صداع مزمن بحكم المكاتفة مع العراق وسورية, منذ سقوط نظام البعث في العراق, وتزايد القبضة الايرانية في دمشق في اتون الربيع العربي, اضف الى كل هذا الصداع, السرطان الناخر في الخاصرة الاردنية الحية بوجود الاحتلال الصهيوني, ولقد كان الدعم السعودي للاردن لمواجهة هذا الصداع وهذا السرطان الاثر الاكبر في تعزيز المناعة الاردنية, وأغلب الظن ان صداع السعودية من الجيوسياسي بدأ بالانخفاض بعد هدنة اليمن, وانتهاء الخل?ف الخليجي مع دولة قطر, ولا اظنها ستقبل بصداع جديد مع ايران كما يشير ملف قمة بايدن القادمة, التي تعني ايضا ان ادارة بايدن فهمت معنى ومبنى السعودية في الاقليم والمنطقة, فالقمة عنوان نجاح سعودي بالتأكيد.
مبتدأ الخبر الذي ينتظره الاردنيون من رجل السعودية القوي, الامير محمد بن سلمان, الذي نقل المجتمع السعودي في سنوات قصيرة الى مستويات لافتة نحو العصرنة والحداثة, ونجح في تطوير وتطويع الواقع الجيوسياسي والادارة الاميركية الى ملعبه, ان يتفهم الجيوسياسي الاردني, وحجم الضغوطات التي عاناها الاردن من هذا الجيوسياسي الصعب, والذي انعكس على الداخل الاردني, ناهيك عن محاولات حواضن السواد تسويق فكرة ان العلاقة الاردنية السعودية ليست كما سابق عهدها, وان الخلافات تعصف بالعلاقة وان الفهم السعودي لسردية العلاقة مع الاردن قد ?ختلت ولم تعد بمعناها الاستراتيجي العميق.
تليها اجراءات على الواقع السياسي والاقتصادي, تتمثل في تفعيل صندوق الاستثمار السعودي, كشريك استثماري جاذب لصناديق كبرى, لرفع محفظة الاستثمار في الاردن, لأن القوة الاقتصادية تعني المنعة السياسية بالضرورة, وما خطاه الاردن على المسارات السياسية والاقتصادية بتحديث المنظومة السياسية والرؤية الاقتصادية, يمنحه هذه الميزة او الاولوية من الصندوق السعودي الاستثماري, الذي كان قانونه حافزا للاشقاء في السعودية, واظن ان امكانية الربط بين مشروع السعودية 2030 والاستثمار في الاردن قابل للتحقيق والنجاح.
مباحثات اليوم مصلحة اردنية وسعودية, وتحضير لواجبات اقليمية, ومصالح وطنية مشتركة, وهي قمة مرحب بها دائما وابدا.
omarkallab@yahoo.com