مرايا – بقلم: عمر كلاب
لا يكاد يخلو نص او تغريدة او منشور من حالة سواد, وكأن السواد بات سمة عامة في فضاء الاردن, رغم ان حركة السير نشطة ومكتظة, وحركة السفر بالاتجاهين متصاعدة, ومناطق الترفيه على محدوديتها مزدحمة, سواء في المناطق ذات الثراء او المناطق الاقل حظا, وكذلك الاسواق والمطاعم وباقي الانشطة التجارية المتوسطة والصغيرة, فلماذا اذن كل هذا السواد في فضائنا العام؟ سؤال يبدو واجبا, والاكثر وجوبا الاجابة على هذا السؤال.
سياسيا, قدم الاردن بمواقفه الاقليمية والقومية, نموذجا ايجابيا, سواء في قمة جدة, او ما قبلها, من حيث بيان موقفه من الاحلاف الاقليمية, او من محاولات طمس القضية الفلسطينية بعد بيان القدس الذي اصدره بايدن وحكومة الكيان الصهيوني, ولم يتقدم احد من ناثري السواد قبل القمة وقبل تصريحات رئيس الوزراء الاخيرة بأي مراجعة او اعتذار, بل استمرار في الغي والمكابرة, مما يدلل ان السواد مقصود بذاته ولذاته.
اجتماعيا, وهنا الكارثة, ثمة استحضار الموتى بطريقة مبالغة فيها حد عدم التعاطف, فنحن بتنا نرثي ابنة عمة خالة زوجة ابن عمنا, وكان النعي مجلبة للاعجابات, بل ثمة ظاهرة اكثر حضورا, بحيث يستحضر الشخص ذكرى وفاة اقاربه او والديه, قبل عقود ثلاث واربع, فلماذا كل هذا البهاء في الحضور للموت والموتى, ومن الذي قاد جمهور التواصل الاجتماعي الى استحضار الموت بهذه الكثافة؟ والعجيب انها ما زالت جالبة للاعجابات, طبعا من المفهوم نشر الوفيات لانها باتت وسيلة للمعرفة والقيام بواجب العزاء, اما الاستحضار لما قبل عقود فهذا يحتاج الى مراقبة.
ثقافيا, نهاجم الفرح بكل قوة, فالمهرجانات لا تسلم, حتى لو خلت من الاخطاء, فثمة من يبحث عن اختراق الفرح لاي سبب, سواء في سعر التذاكر او نوعية المطرب او مكان الحفل, ناسين ان المهرجان لترويج الاردن وليس لنا فقط, ومع ذلك ننشر السواد ونهاجم دون ادنى اعتبار لضرورة المهرجان وطنيا وسياحيا, فنحن يبدو اننا نسير الى عداء مع الفرح, بقوة وتصميم, وبتغذية عجائبية من كتاب واعلاميين وسياسيين, وتحديدا من اللذين يعيشون معظم اوقاتهم في رفاه وسفر, وغالبيتهم العظمى لا يعرفون عن المناطق الفقيرة والشرقية والجنوبية الا النزر اليسير.
من نافل القول ان معظم ناشري السواد الوطني, يتغنون ببلدان الدعم والاقامة الثانية, رغم انها مقارنة بالاردن اكثر سوادا حسب منطوقهم, لكنهم يتفنون في خلق الاحباط الداخلي, وينقاد اتباع الديانات الاجتماعية الجديدة خلفهم بدون تفكير, حتى بات السواد حالة عامة حتى عند الذين يمتلكون القدرة والمقدرة على الحياة الرغيدة, فكل سواد بات جالبا للاعجاب اكثر من اي لحظة فرح, فالغربان السود لم تعد حكرا على المتطرفين المعهودين, بل باتت ثقافة حاضرة.
آن الاوان لحملة وعي عن ثقافة الفرح, وتعرية جموع المضللين, الذين يبكون على المجتمع وهم لا يعرفونه, ويبكون على الفقراء ويعيشون على وجعهم, فدون ذلك سينتصر تيار السواد ويزدادون قوة ومنعة, وستزداد الجرائم والعنف المجتمعي, لان ثقافة السواد تستثمر في غياب القوانين وعدم المحاسبة, فكم خبر كاذب تم نشره لرفع الاحباط ولم يحاسب كاتبه او ناشره, وكم قصة مزورة خرجت الى العلن دون محاسبة, فالقانون والديمقراطية والحرية هما الضمانة لمجتمع آمن, وعكس ذلك سنصحو كل يوم على جريمة وعلى مخالفة جسيمة وعلى احباط, وهذا في النهاية سيجعل من العمل العام مكرهة اجتماعية ونفسية, وسيحجم كل راغب بالعمل العام عن الدخول الى معتركه.