مرايا – بقلم: عمر كلاب
يروي أحد معتقلي سجن الجفر الصحراوي, حادثة مهيبة الدلالة, يقول فيها: «ان فؤاد نصار امين عام الحزب الشيوعي الاردني في ستينيات القرن الماضي, كان في فصل الشتاء والاربعينية, لا ينام قبل ان يقوم بتسخين المياه, كي يتوضأ المعتقلون من اتباع التيار الاسلاموي, والراغبون في صلاة الفجر, وهو المسيحي الشيوعي”, كان هذا يحدث بين الفُرقاء السياسيين, والخصوم الايديولوجيين, فأزهرت الحياة السياسية في الاردن, فالمعارضة هي الوجه الآخر للسلطة, وكان على الجهة المقابلة من السلطة, رجال ما زلنا نتغنى بسيرتهم حتى اللحظة.
وفي حكومة دولة الاستاذ مضر بدران التي اعقبت الانتخابات البرلمانية عام 1989واظنها حكومته الرابعة, سمع بدران ان كتلة جماعة الاخوان المسلمين معترضة على الموازنة, فاستقبلها واعطاها الموازنة, طالبا منها ان تضع موازنة للدولة وهو سيوافق عليها, فأعادوها اليه قائلين لم نجد افضل من ذلك في ظل هذه الظروف, وكان النواب قبلها قد اوسعوا مضر بدران اتهامات وتهما قاسية, وفي خطاب الرد احضر مضر بدران ما عُرف حينها بالدوسيه الازرق, الذي يحتوى مخالفات وتجاوزات بعض النواب الذين اشبعوه انتقادات واتهامات, فدخل عليه رئيس المجلس واظنه حينها المرحوم سليمان عرار, فأغلق الرجل الملف.
هذا الارث السياسي, غير البعيد, جرى ويجري ذبحه الان تحت قبة البرلمان وخارجها, فما رأيناه في جلسة الاثنين الفائت, يكشف حجم العوار والجفاف والتصحر الذي طال الحياة السياسية الاردنية, بشقيها البرلماني والحكومي والحزبي, فكل الخصومات تخلو من فروسية, وكذلك العلاقات بين التكوينات السياسية, القائمة على ارضية الشراء والاحتواء, فنحن نكشف الملف اذا فشلت المصلحة, ونخفيه اذا تحققت, ولذلك كانت الخصومة بين الفرقاء امس مثل شعرة في صحن الشوربة, مقرفة ومقززة, واذا افترضنا ان احد الطرفين صادق في روايته, فهو مدان بنفس القدر الذي يدان فيه المتجني او الكاذب, فالملفات التي اثيرت تحت القبة كلها سابقة, بمعنى مسكوت عنها, اما للابتزاز واما للترهيب والاستقواء, وهذا هو ديدن العلاقة بين الحكومات المتعاقبة ومجالس النواب, منذ تصحَر الحالة السياسية في الاردن وظهور نواب المقاولات والمال الاسود, والاجتماعات المالية على حساب القيمة السياسية والعشائرية.
طبعا هذا كله نتيجة لسبب رئيس, غياب الشفافية وغياب احترام الرأي العام الوطني, فكل المعلومات تظهر فجأة وتختفي فجأة, حسب قانون العرض والطلب في العلاقة بين الفرقاء السياسيين, والمعارضة بالمناسبة ليست بعيدة عن هذا الجو, فالخارج من رحم المعارضة سرعان ما يتم قذفه بكل الموبقات والتهم, وكذلك الحال مع الخارجين من رحم الموقع الحكومي او الحزبي, فلا يمكن ان يتردى اداء السلطة, دون ان يتردى اداء المعارضة, لانهما وجهان لعملة واحدة, هي العملة الوطنية.
غدا ربما سنصحو على قصص جديدة, فما يرويه الوزراء في السهرات والعشاءات, وما يرويه النواب بالمقابل, يكشف حقيقة اسباب انسحاب الاردنيين من الحياة العامة, وتضاعف حزب الكنبة, فما يجري لا يقرب الى المعقول في شيء, وسنبقى ندفع الثمن طالما بقي الجفاف المعلوماتي والسياسي, فما زال المسؤول يعتقد ان المعلومة ملكية شخصية, وما زال السياسي يرى نفسه اعلى من البشر ودون الالهة.
omarkallab@yahoo.com