مرايا – كتب: عمر كلاب
لا يحمل التاريخ الاردني السياسي, فكرة الحزب الليبرالي او الحزب البرامجي حسب التعبير الدارج, ولا يستطيع حزب طور التشكيل او التأسيس ان يتبنى برنامجا واحدا سوى في الاطار النظري او الاكاديمي, لأن اي حزب لا يملك القيادة التنفيذية, فكل برنامج لا يملك ادوات تنفيذ هو في النهاية برنامج قاصر, لذلك على الاحزاب ان تتيقظ كثيرا حيال فكرة البرامجية, وان تستيقظ من الخلط بين الرؤية الحزبية والتنفيذ, قبل ان تنزلق لاحقا ولا تعرف الخروج, ناهيك ان البرامجية كفكرة سياسية ما زالت ضبابية, لأن المعنى الاشمل هو الحزب الليبرالي وليس?البرامجي, للحزب الذي لا ينتمي الى فكرة عقائدية, فكل حزب على الاطلاق له برنامج.
الاحزاب تحت التأسيس او في شهوة الانطلاق واحتفاليتها, لم تقدم–على الاقل الذي ظهر الى العلن–نكهة ليبرالية وامسكت بالمصطلح البرامجي ووسمت نفسها بذلك, دون التفات ان كل حزب لديه برنامج, والفارق بين الاحزاب العقائدية ذات الجذر الديني او البرامجي انها تستند الى نظرية كمرجعية فكرية وبرامجية, فالحزب العقائدي لديه برنامج شمولي, فصاحب الارضية الاشتراكية يرى في القطاع الخاص خصما, وانصار العقائدية الدينية لا يؤمنون بكل ما هو خارج مفهوم الدين والدولة, والقومية هي فكرة عنصرية في جوهرها, وبالتالي جاءت التصنيفات السياسية على اساس يمين باشكاله ويسار بتنويعاته ووسطي بمعناه المحلي الذاتي, فحتى مصطلح الاحزاب الوطنية كان ضلاليا في بلادنا من حيث سعيه لاسقاط الوطنية عن باقي التلاوين السياسية.
السمة الابرز لاحزابنا في الاردن هي التكاتف والوحدة مع القضية الفلسطينية, وهذه الاحزاب لم تكن معنية بشكل البرامج وآلية تنفيذه, فهي وضعت شعار تحرير فلسطين واختبأت تحته وخلفه, فلم تقدم برنامجا واحدا–حتى تلك التي طرحت الكفاح المسلح, فهي اما تتحدث عن التحرير ولا تتحدث عما بعده, ورأينا ان منسوب الحرية والديمقراطية والتنمية البشرية والاقتصادية بقي على حاله بعد كل انقلاب واحيانا كانت النتائج اكثر سلبية من القائم السابق, فالفصائل والعقائدية في جوهرها اقصائية, كما الطائفية والعنصرية, فالقومي او البعثي حارب الطائفية ?العنصرية القائمة على المنبت والاصل والجنس والدين, لكنه اقصى كل مخالف في الفكرة القومية, وكذلك الحال مع الاحزاب الطائفية او ذات الجذر الاشتراكي والاسلاموي.
حتى لا نظلم التجارب الحزبية الناشئة او التي في طور النشوء, لنعترف بأنها تبدأ بدون ذاكرة وطنية, بل وتبدأ في مجتمع جرى تجريفه بشكل جائر من العمل السياسي والنقابي والاجتماعي, بحكم عوامل متعددة, عبر ادوات غير سياسية على الاطلاق وغير ديمقراطية, فالترقي في الحياة العامة في الاردن مقرون بالقرب من السلطة, اما بالمصاهرة او الملاصقة الاجتماعية والتبعية لرجالات السلطة, وهذا ظاهر اليوم في طبيعة تراكيب الاحزاب او تراكيب الصف الاول فيها على الاقل, وهذا يستدعي التريث في الظهور والاشهار حتى يتم بناء العصبة الاولى في الحزب?وهو التوافق البيني داخل كتلة الحزب الصلبة حتى لا نتفاجأ وبشكل سريع بحجم الانسلاخات والتشققات التي رأيناها في اكثر من حزب ناشئ.
omarkallab@yahoo.com