بهدوء- عمر كلاب
لم يكن خافيا على المجموعة التي التقت بوزير الخارجية أيمن الصفدي في معهد السياسة والمجتمع نهاية الأسبوع الفائت, أن لدى الديبلوماسية الأردنية رسالة واضحة للداخل الأردني والخارج الإقليمي والدولي, مفادها أننا نتعامل مع ملف القدس و”الأقصى» وفقا للثوابت الأردنية القائمة على مفهوم الوصاية الدينية الشامل, وأن الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني مستعد لكل الاحتمالات الخشنة والديبلوماسية, مع الحكومة الفاشية في دولة الاحتلال الغاشم, مواجهة بكل أدواتها وتفاصيلها, وعلى كل الأصعدة, فما يقال في الديبلوماسية لمزًا هو أقوى ?ن الجهر, وهكذا كانت رسالة الملك, أولا عبر رئيس الوزراء بشر الخصاونة تحت قبة البرلمان قبل أشهر وفي حفل إفطار دائرة الشؤون الفلسطينية, وتاليا عبر وزير الخارجية, فالأردن وإن يمتلك الكثير من الأدوات الديبلوماسية, إلا أنه يمتلك أيضا مساحة من الصلافة والصلابة, التي تمكنه من الإجابة على التحرشات والتجاوزات على ثوابت الدولة الأردنية, تحديدا في ملف الوصاية الهاشمية, وسبق أن مورس هذا السلوك مع صهر ترامب وغيره من قيادات الخارجية الصهيونية.
بالأمس كانت قوة الملك وصلابة الديبلوماسية الأردنية, في أرقى تجلياتها, بعد السلوك الوقح الذي تعرض له سفيرنا, والتي تعاملت معه الخارجية الأردنية برسالة أردنية صلبة, أفضت الى استكمال الجولة للسفير في مناطق نفوذ الوصاية الهاشمية, وتاليا جاء الرد الأعنف والأقوى, بجولة لسفراء 35 دولة من الاتحاد الأوروبي في «الأقصى» الشريف ولقاء الأوقاف الإسلامية فيها, وهي أوقاف أردنية لمن يحاول القفز أو الجهالة, وهذا ليس دليل على قوة الملك والديبلوماسية الأردنية فقط, بل دليل على اقتناع الدول الأوروبية بالوصاية الهاشمية, فما حدث ?و تظاهرة ديبلوماسية لدعم الموقف الأردني وموقف الملك عبدالله الثاني, فتوقيت الزيارة الأوروبية وحجمها وكثافتها, تؤكدان أن الأردن حازم وقادر على التعامل مع التحرشات بجدية وشرعية دولية, وهذا هو الأهم والأخطر.
رسالة الحكومة الفاشية في الكيان الصهيوني, قابلتها ديبلوماسية أردنية صادمة للاحتلال في قوتها وتوقيتها ومكانها, فالزمان هو اليوم التالي للتحرش والمكان هو في فضاء «الأقصى» وساحاته, التي تشهد منذ فترة تحرشات خشنة من الفاشيين الجدد, وإذا ما جمعنا طرفي المعادلة, أي تصريحات الأردن وموقفه من التحرشات, والاستجابة الدولية للموقف الأردني, فإننا أمام حالة قوة لا يمكن تجاوزها أو القفز عنها أو التقليل من شأنها, فجولات الملك وزياراته ومشاركاته في المحافل الدولية أثبتت أن قوة الديبلوماسية الأردنية في حضورها, وعلى كثير من ?لعقول المعقوصة أن تعيد قراءة موقفها من المشاركات والجولات, فهي مصدر القوة الأبرز وربما الوحيد للديبلوماسية الأردنية التي أظهرت قوتها في زمن عربي هو الأسوأ للقضية الفلسطينية, التي تراجعت على سلم اهتمامات وأولويات النظام العربي, وفوق ذلك جرى الطيران فوق الاجواء الأردنية للهبوط في تل أبيب, لكن الأردن أثبت أنه دولة فاعلة ولاعب رئيس في المنطقة رغم شح المياه وضعف الإمكانات الاقتصادية.
على الأردنيين اليوم الفخر كما كل يوم بمواقف الأردن الثابتة من القضية الفلسطينية بوصفها جزءا أصيلا من الأمن القومي الأردني, والالتفاف حول القيادة الهاشمية التي تشكل وحدها الحربة التي توجع الخاصرة الصهيونية, مع تقدير أن هذه المواقف لها كلفها كما لدى الأردن طاقته وقدرته المفهومة في إحداث تغيير في الميزان الدولي, فما يفعله الأردن اليوم وما يدفعه النظام الهاشمي من كلفة يفوق الاحتمال, لولا عزيمة الملك وصبر الأردنيين والتفافهم حول عرشهم ودولتهم.
omarkallab@yahoo.com