مرايا – كتب : عمر كلاب
لا يكاد حديث مع اي مسؤول قائم او سابق يخلو من اشارات الى فرادة الاردن وتفرده عن باقي الاقليم, ولا يكاد حوار يخلو من اشارات ابداعية للحكومة او المركز الذي كان يشغله الفرد لو نجح في اكمال برنامجه كفرد او حكومة, ومن يقرأ ويستمع الى محاضرات النخبة الرسمية السابقة اليوم, يضرب يديه على رأسه, ندما على مواقفه من هذه الحكومة او المسؤول وهي تمارس عملها, من حجم المعسول في التشخيص والمقاربات السياسية الدقيقة للواقع, فأين الخلل اذن, وهل كان الحديث الذي ينشر اليوم في المحاضرات والتصريحات حاضرا في زمن المسؤولية؟ ام انه وعي بأثر رجعي.
صحيح ان للاردن فرادة في الاقليم كله, وهي ان العرش والجيش لهما قيمة عليا عند الاردنيين, وان العلاقة بينهما لا تقوم على نفس الاسس التي تقوم بها علاقة العروش مع الجيوش في المنطقة العربية حصرا, فالعروش كانت تستند إلى الجيوش فى استدامة الاستبداد, الجيش ليس مجرد جنود يحملون أسلحة، وإنما جوهره هو «الجندية» التى تخلق ضمن ما تخلق الولاء للدولة وليس للقبيلة أو العرق أو الدين, وهذا هو جوهر الجيش العربي, وهذا ما انجى الاردن من كل المصائب التي حاقت بالاقليم, لكنها ليست الفرادة التي تتحدث عنها النخبة, التي تضع لنفسها دورا في النجاة وهو غير صحيح.
أزعم أن الاردن يعيش اليوم تجربة اقرب الى ما عاشته دول غرب ووسط أوروبا بعد الثورة الفرنسية وما نتج عنها من خريطة جديدة, كان ولا يزال أملي أن تكون لنا قدرة أكبر على قراءة التاريخ والتعلم منه، ولكن تبدو النخبة الاردنية (سواء المثقفة أو السياسية) لي وكأنها تعاني من مرض خطير وهو «النرجسية المعرفية» بمعنى رفض الاستفادة من خبرات الآخرين أو الاستفادة من النظرة النقدية لتاريخنا السياسي والاداري وحتى الثقافي, فنحن ندخل المئوية الثانية بخارطة اصلاح شمولي, لا تجد لها حتى اللحظة روافع مجتمعية, وكل الاجواء مسمومة, فالتشكيك سيد الموقف, ولا أحد يجرؤ على قرع الجرس بالمراجعة الحقيقية للمئة سنة الماضية, هل اخطانا في العلاقة الوحدوية مع فلسطين ام اصبنا وكيف ولماذا, اذا اخطانا ما هو شكل القادم واذا اصبنا كيف نبني على ذلك؟.
هل نريد بناء المجتمع الجديد على نفس الاسس السابقة من هواجس الشك والريبة بين الاحزاب والعشائر وكأن احدهما احلال للآخر, رغم ان العلاقة ليست احلالية؟ ام سيكون الفضاء مفتوحا لحوار مجتمعي دون هواجس بين الجميع على قاعدة حماية الدولة ومرتكزاتها الدستورية والوطنية, » العرش والجيش والوحدة الوطنية”, هل نتحدث عن تعايش بين الاطياف السياسية والتكوينات الدينية والديمغرافية والعرقية, ام نتحدث عن مواطنة كاملة, تذوب فيها كل الهويات الفرعية الضارة, تحديدا وان المجتمع بات اقرب من اي وقت مضى الى هذا الفهم, بدليل الموقف العام لآخر فتنة كروية كان يمكن ان تحدث؟.
هل سنبني علاقاتنا الديبلوماسية مع الجوار حصرا, -لاننا لا نعاني مع العلاقات الدولية من مشاكل صعبة- على قاعدة المثل بالمثل, وان الجار مهما بنى من اسوار عالية حول نفسه لن يهنأ, لان الارتفاع بأسوار البيت لن يمنع التصدع المقبل من الجار المرهق او المتعب؟ هذه اسئلة جوهرية لا تحتاج الى رعاية السلطة او الحكومة على طرحها والتفاعل معها بحيوية, بل تحتاج الى مراكز الدراسات والابحاث والجامعات والاحزاب القديمة والناشئة, وحينها لا تستطيع اي حكومة الوقوف ضد المخرجات.
omarkallab@yahoo.com