يرى محمود عباس العقاد أن التعمق فى طلب الأسرار هى صفة مشتركة بين الصوفية الحقة وفلاسفة التفكير الذين يغوصون إلى الحقائق البعيدة وعلماء النفس الذين ينقبون عن ودائع الوعى الباطن وغرائب السريرة الإنسانية, اي العلماء والعلم, الذي يبحث عن قراءة الظواهر وتفسييرها, لكن العقاد رحمه الله اغفل ضلعا مهما ربما هو الاكثر تأثيرا ونشاطا, واقصد الشعوذة التي تناقش الزلازل وتتوقعها جنبا الى جنب مع رد الحبيب واعادة المطلقة وفك المربوط وجلب الغائب.

منذ وقوع الزلزال الذي ادمى قلوبنا في سورية وتركيا, والعالم العربي مشغول بتوقعات المنجمين والمشعوذين, اكثر من انشغالهم بالعلماء الذين توقعوا الزلزال, وخلال جولة سريعة على العالم الافتراضي وداخله, يجد المتابع حجم انتشار اراء المشعوذين الهائل ورصد توقعاتهم, مقابل شبه غياب لمتابعة العلماء ودراساتهم, فمتابعو المشعوذين اعلاميا ورسميا وشعبيا يفوق بالسنوات الضوئية وليس بالحسابات الرياضية الرقمية حجم المتابعين للعلماء الذين رصدوا وتوقعوا النشاط الزلزالي, وعلى اجهزتنا الرسمية الانتباه بالضرورة الى ما يقوله العلماء عن منطقتنا, رغم ان كود البناء الاردني حريص على ادخال معادل الزلازل في البناء, لكن ضعف الرقابة يقلق.

صحيح ان اغلب العلماء تحدثوا عن ما يشبه استحالة توقع الزلزال, الا ان بعض المشعوذين توقعوه, ويبدو ان العلم تطور في هذا المجال لدرجة ان التحذيرات العلمية هذه المرة اقتربت من التحذير قبل ايام ثلاثة من الزلزال, عكس المشعوذين الذين توقعوه منذ رأس السنة, اي ان الغلبة لهم, فيما يخالف بعض المتدينين العلماء, في اسباب الزلزال, بوصفه حركة غير منضبطة لجوف الارض وقشرتها, فهو غضب وانتقام لتفشي الفاحشة والفواحش, وهو رسائل للعودة الى الطريق السليم, ولا ادري حتى اللحظة لماذا يكون الضحايا من الاطفال والفقراء, وليس من الاثرياء الذين يرتعون بالفاحشة والفواحش, بل لماذا تتهدم بيوت الله في الزلازل؟.

يبدو ان زمن العلماء قد انتهى في عوالمنا الثالثة او النامية, لصالح الشعوذة والخطابات الغرائزية التي تتدثر بالدين وتسعى لتفسير كل الظواهر وفق منهج الفجور والثبور, وكان المواطن مسؤول والفقير هو سبب الازمة وليس عدم تقديم العلم واعلاء قيمة التعليم واجهاض الشعوذة والفساد والافساد, بوصفها مسكنات ومبررات كي ينعم الثري بالثراء وينعم الفاسد بالفساد ومدخولاته..

سأسال النشطاء المشغولين باراء المشعوذين واسال المؤثرين من المشايخ والناشطين على السوشال ميديا, ما رأيكم لو وضعنا مشعوذا وزيرا للتخطيط بدل زينة طوقان, واستعنا بقط نشط بحكم ان القطط تعلم بموعد الزلزال كما يقول النشطاء من المشايخ والمؤثرين, ليكون مسؤولا عن مرصد الزلازل, وحولنا المركز الجغرافي الى مرصد لمراقبة الفواحش والجمعية العلمية الى بيت فتوى, هل سنتخلص من كل الاوجاع الطبيعية, وهل سننعم بحياة افضل وخدمات سريعة وميسرة؟.

منذ غاب العلم والتعليم عن عالمنا الثالث, وعن محيطنا الاقليمي وعن واقعنا الوطني انتشرت كل هذه المساخر, ولا مناص من مراجعة منظومة التعليم بكليتها كي نقضي على كل مظاهر التخلف, الا اذا كان المطلوب بقاء المواطن في فلك التخلف والمؤثرين السطحيين؟.

omarkallab@yahoo.com