مرايا – كتب : عمر كلاب
قد يكون ظهور المقال في اليوم الاول من رمضان الميارك, وقد يسبقه بيوم, فنحن رغم كل الثورة التقنية, والحداثة القشرية, ما زلنا ننتظر رؤية الهلال بالعين المجردة, وكأن الاية الكريمة التي حضتنا على علم الحساب والكواكب مناقضة للعلم, رغم انها علمية بالكامل, على اي حال المشهد سيكون مثاليا, فالجميع صائم, مسيحيون ومسلمون, رغم اختلاف طبائع الصوم بين اتباع الديانتين, لكن ذلك لا يقلل من هيبة هذا الوقت الذي يتشارك فيه الاردنيون على اختلاف دياناتهم الصوم الكبير, باسراره وهيبته ومهابته, وطقوسه الخالدات.
الصوم فضيلة كبرى, نكسرها للاسف بكثير من المسلكيات الخاطئة والتفاصيل الاسرافية الكثيرة, فمنسوب الغضب سيرتفع وكذلك منسوب الورع, وسنستعيد الكثير من الاسئلة التي تشير الى ان رمضان فريضة جديدة, وليست فريضة متصلة منذ مئات السنين, وسيخرج الدعاة والغلاة, بكل ما هو قديم ومكرور, وستحتل الدراما عقول المجتمع بغالبيته العظمى, بالاضافة الى حديث المطابخ الذي سيعلو على كل حديث, حتى بين الذكور, الذين لا يدخلون المطابخ الا في رمضان فقط, اما للمراقبة او للتدخل في شؤون لا يعرفونها ولا يتقنون ادنى تفاصيلها, لكنها مسلكية تعصف ب?ثير من السكون المنزلي.
سنشهد للاسف مشاجرات وسنشهد وفيات على الطرقات قبل ساعة الافطار, وما يرافق ذلك من وجع لعائلات ومجتمع, وسنشهد كذلك خطابات مكرورة من شخوص لا يعرفون العبادات الا في رمضان, وسيكونون اكثر تطرفا من الغلاة, وحتى تضمن ان يمضي الشهر بهدوء, عليك ان تتسلح بكثير من الصبر والمهدئات, لتحتمل عنف بعض الصائمين الذين يشعرونك انهم يصومن من اجلك, وليس من اجل الفريضة التي اختص الله وحده جوائزها, دليل عظمتها, فهي عبادة اختص الله بها نفسه, وليست للتضامن او التعاطف مع الفقراء والمساكين, بل لتربية النفس البشرية على اطلاقها واذعانها ?لخالق عزّ وجلّ, لكن ذلك لا يمنع ان تنطلق كل مفردات السخاء نحو المحتاجين وهم كثر في مجتمعنا.
لا ادري لماذا ننشط في اليوم الاول من رمضان في التبشير به وبحسنته وميزاته, ولا نبدأ التنوير والتجهيز الفكري والدعوي له قبل ذلك, لعل كلمة طيبة تصل الى قلوب السامعين فينحسر الغضب والعنف؟ ولماذا نجيش كل افراد الامن والرقابة لمراقبة الطرقات والاسواق, ولماذا نترك الامر لليوم الاول, وكأننا نتفاجأ بقدوم الشهر الفضيل؟ اسئلة موجعة على ابواب شهر الفضيلة والتهذيب والتربية, تحتاج الى اجابة, وتحتاج الى علماء اجتماع وليس الى داة فقط, يكررون نفس الاجابة على اسئلة من خارج المنهاج, ومعظم الاتصالات تأتي من شخوص مارسوا الصوم ?سنوات طوال, فنادرا ما يأتي اتصال من يافع لكل البرامج الدينية.
ادهشني اليوم سؤال على شاشة رسمية, حول امكانية الابلاغ عن مفطر في رمضان, وادهشتني الاجابة اكثر من الناطق الرسمي للوزارة المعنية, الذي اكد ان الحاكم الاداري جاهز لتلقي الشكاوى على المفطرين, فهل هذا هو اشكالنا الوحيد في رمضان, اليس لدينا اشكاليات معرفية واحاديث موضوعة تحتاج منا المراجعة والمطالعة, هل نكتفي يتصفيد الشياطين في رمضان, ام نسعى الى مراجعة الامر برمته, فالجريمة والغضب يرتفعان في رمضان, لدرجة انك تتمنى لو ينطلق الشيطان بدل تصفيده, طبعا هذا حديث باسناد ضعيف جدا, وليتنا نستغل هذا الشهر لتنقية المناهج ?المعارف من كثير من المدسوس والضعيف, فنكون فعلا قد منحنا الشهر حقه وكرامته.
كل عام والاردن بخير شعبه وقيادته وجيشه وامنه, كل عام وهذا التوحد في الصيام يجمعنا على محبة الاردن وناسه الطيبين, وكل عام والوطن بخير مسلميه ومسيحييه.
omarkallab@yahoo.com