مرايا – كتب : عمر كلاب
كان شهر رمضان المبارك وعطلة العيد المبتسرة, فرصة للمشاهدة والمراقبة الحثيثة لواقع اردني, جرى تجريفه وتهشيمه بادوات مختلفة, ادوات رسمية وشعبية وحزبية, فلا برئ من حالة الردة التي نعيشها, لكن القاسم المشترك الاعظم, هو فقر الخيال الاردني على كل المستويات, فلا يدهشك برنامج للخلاص, ولا يستفزك برنامج حزبي للتفكير, ولا تستنهضك مبادرة من مؤسسات المجتمع المدني المنتشرة على كل الجعرافيا الاردنية, وبالتالي فإن المجتمع فعلا وقولا يعيش ردة على كل المستويات اشبه بالردة التي عاشتها الخلافة الاسلامية بعد وفاة رسول الله صلى?الله عليه وسلم.
الردة استنهضت مجتمع المدينة للخروج من الحالة بالحسم, واظننا اليوم احوج ما نكون الى الحسم والحزم, فما يجري بين طبقات المجتمع مرعب, وحجم المسكوت عنه والذي يتبدى بجلاء في المواقف, كاشف لكل عين سليمة او مصابة بالرمد السياسي, فالمعارضة على اختلاف تلاوينها وتلابيبها, تناقش ما يصدر عن السلطة, الذي هو بلا خيال, ليس بمعنى الوهم والحلم, بل الخيال الذي يفتح الافاق ويوسع المدارك ويبتكر, ولا اميل الى استخدام الجملة المعلوكة » خارج الصندوق » التي اصبحت مملة وبلهاء, بحكم ان لا احد قادر على ترجمتها الى برنامج للتنفيذ.
نعم, نعاني من فقر الخيال, فلا يوجد في جعبتنا برامج للتنفيذ, وكلنا نعيد التوصيف المتفق عليه, فالسياسي الاردني يتحدث عن الحالة بنفس المعلوكات السابقة, وكأن فترة الخمسينيات ما زالت قائمة, والخطاب الديني هو هو, تستمع الى بعض الرسميين الذين يتحدثون عن انجازات ونجاحات لم نرَ منها شيئا, وتجلس مع المعارضة فتكرر نفس اللازمة عن الخراب, وتقرأ المقالات والتحليلات فتجد نفس المصطلحات, والعتب المتحول الى غضب هو سيد الموقف, عتب يتحول الى غضب, وهو قابل للتحول اذا ما تم الغاء السبب, بمعنى الانتقال من حالة المعارضة الى حالة ?لسلطة, والعكس قابل للتطبيق.
تلاسن بالهمس, وتراشق بالتهم, من تحت الحزام، وتنابز بين المعارضة, وعودة الى مفاهيم ما قبل الدولة داخل المجتمع, وفي هذا الخضم, ينساب الشباب الاردني الى انسداد الافق, فمنهم المبدع الذي تتلقفه مؤسسات الخارج, ومنهم البائس الذي يجلس متأففا بين ظهرانينا, وفي كل مرة نعود الى نفس الحلول التي اثبتت عدم نجاعتها, وتتحمل الحكومة كل المسؤولية, وكأنها الفاعل الوحيد في المجتمع, وننسى ان مجمل الحياة السياسية في الاردن بواقعها الحالي, لن يكون مخرجها احسن, والحل ان تسترد الدولة حسمها وحزمها, ونبدأ بالادارة العامة للدولة, نحت?ج الى تنفيذ فاعل للقوانين, من قانون السير، الى اخر القوانين الرادعة, وتجفيف منابع الترهل, فلا يعقل ان ننفق على التعليم والصحة كل هذه المبالغ المصروفة على الرواتب والحوافز, فيما الانجاز نراه بأعيننا في هذين المرفقين, وقس على ذلك في باقي القطاعات, لا يمكن ان نصحو واذا بكل المسؤولين السابقين حزبيون بالفطرة, ونحن على يقين ان كثيراً منهم لم يقرأ كراسا سياسيا واحدا.
لا يعقل ان تستمر الادارة العامة بنهجها الحالي دون محاسبة او مساءلة, ثم نتوقع مخرجا مختلفا, فقط نحن بحاجة اولا الى تصويب الحالة الادارية, ثم سينصلح كثير من الخلل بالمتتالية الهندسية لتصويب الادارة, وما قبل ذلك ودونه سنبقى نردد نفس اللازمة وسط حالة من فقر الخيال السائدة.