مرايا – كتب : عمر كلاب
قبل سنوات خمس ادهشنا صديقنا المثقف اليساري بمدحه دولة الاقامة, ونفسه ادهشنا ايضا في الصيف الماضي وهو يفرد ثقافته لمدح دولة الاقامة الجديدة, التي وقفت على النقيض من الدولة سابقة المدح, اي مدح الدولتين بنفس القوة والتركيز, ويمكن تفهم ذلك وتبريره, بحكم أثر الجغرافيا على القرار السياسي, فقد رضخت للجغرافيا منظمات وفصائل واحزاب, فكيف لا يرضخ لها موظف بسيط, وجد في تلك الدول ما يسد رمقه ويسدد احتياجاته؟.
المشكلة ليست في تفهم التوابع الذاتية او المصلحية, بل في ان الشخص الواقع تحت تأثير الجغرافيا يخفي هذا التأثير, ويضعه في غلاف قيمي, مثل الموقف الانساني النبيل لتلك الدولة, او الموقف القومي الهائل, او النجاح الاقتصادي الذي حققته تلك الدولة, او الموقف الديني لهذه الدول وقياداتها, في ذات الوقت يصب جام غضبه على دول اخرى مناوئة لدولة الارضاع المالي والسياسي المقيم بها, رافضا الاعتراف بأثر الجغرافيا على مواقفه, مما يستدعي الرد والتوضيح بعد ان اصبح هذا النمط سائدا وواضحا دون ادنى مراجعة او اعتراف, بل بات يجلد كل مخ?لف في الموقف.
لو وضعنا ثلاثة ضوابط لتقييم اي دولة, ولنفترض مثلا الديمقراطية وحقوق الانسان والدخل الفردي تبعا لاقتصاد الدولة وناتجها القومي ثم مستوى التعليم, سنجد ان دول الجامعة العربية, لم تحقق النجاح في هذا المضمار بل لم تلامس علامة الاكمال حتى, وللتوضيح كان في زمننا ثمة اكمال ورسوب, اما على مستوى دخل الفرد من الناتج الاجمالي او العوائد الحقيقية للمواطن من دخل الدولة سنجده يتراوح بين الاكمال والرسوب حتى في بلدان الوفرة المالية والثروات الطبيعية, ومخرجات التعليم اظنها الاكثر سوءا, رغم كل القارمات والشعارات الجامعية المن?شرة.
اذا اعتمدنا المقاييس القيمية, لن نجد فروقات في عالمنا العربي, رغم التفاوتات الاقتصادية, وهذه لا تغير من الموقف الكلي, لكن هذا المبدأ مرفوض من اصحاب نظرية الولاء لدولة الاقامة, فلو اخذنا مثلا معيار الاقتصاد الوطني, فإن الاردن وسورية حققتا في الاعوام 2000-2010 نموا اقتصاديا هائلا, لكن ذلك لم يؤخذ في الاعتبار, فلربما اسوأ فترة سياسية عاشها الاردن كانت في تلك الحقبة, ونفس الامر في دمشق التي شهدت ازمة ربيع دمشق, ولم يشفع للنمو الكبير من الخروج الى الشوارع في الربيع العربي.
ومرة اخرى كان اصحاب الولاء لدولة الاقامة فرسانا في الربيع العربي, والان يعيدون علينا نفس الديباجة عن ضرورة الالتفات الى النجاح الاقتصادي, وللمثال حققت سورية قبل 2010 ارقاما اقتصادية تفوق ما حققته الدولة المثل, التي يضربونه لنا, فأين المنهج واين المعيار في ذلك, نحن نقدر اثر الجغرافيا, وعدم قدرة كثير منهم على انتقاد حفرة في شارع من شوارع دول الاقامة, لانهم سيخسرون عملهم ودخلهم, ولا نطالبهم بذلك, بل نتمنى لهم العيش الامن الرغيد, وان يتركوا المعيار القيمي, وان لا يتشدقوا به, وان نراجع سويا لماذا انقسمت الشوارع?العربية بين تركيا وايران, ولولا مهابة لقلت العدو الصهيوني ايضا, ولم تنحز لمجتمعاتها, فحجم متابعة انتخابات تركيا والعدو الصهيوني مثير للإهتمام وتلك قصة نتنانولها لاحقا.