عمر كلاب
في غمرة الأعراض الانسحابية المصاحبة للحكومات عادة, في الظروف الاقتصادية الصعبة, يختار رئيس الوزراء, الدكتور بشر الخصاونة, أن يشتبك مع اصعب التكوينات الاجتماعية, واكثرها حدة, واعني المجتمع الطلابي, الذي هو الحصن والدرع الواقي للمجتمع والوطن, الآن وغدا وبعد غد, في حوارات حية ومباشرة, دون ان يحمل معه باقة من الحلول السريعة او الهبات, ولا حتى الوعود المعسولة التي اعتدنا عليها من حكومات سابقة, وتلك جرأة من الرئيس ولا اقول الحكومة, فهو يضع نفسه في مرمى نيران النقد والاسئلة الحرجة, التي تفوّق المجتمع الطلابي في ا?جنوب على طرحها دون مواربة.
ليبقى الجنوب كما عهدناه, امينا على المشروع الوطني, شأنه شأن سائر المحافظات, مع ميزة للجنوب, فطقسه وجغرافيته, تفرض عليه مسحة من الحدة والصرامة, الممزوجتان بالوجع والانين الحقيقي, بحكم ضيق الحياة رغم كرم الطبيعة ومواردها عليه, فالحوار في الجنوب كان اكثر ثراء من حوار الوسط, وربما استفادت الحكومة واجهزتها من حوار الوسط, وقدمت وجبة دسمة من حوار واضح وصريح, بل وحوار مطلوب في هذا الظرف الصعب, فالرئيس لا يعوزه حُسن النطق, الذي اسعفه على تجاوز ضيق اسعاف الحال له, وفقا لقاعدة المتنبي, فليسعف النطق ان لم يسعف الحال
في مبنى الحوار ومعناه, نجح الشباب الاردني في الجنوب, باثراء الحوار, وفتحه على افاق جديدة, ليس اولها اضافة ضلع جديد الى مثلث الاصلاح الشامل, وهو ضلع الاصلاح والتحديث الثقافي والاجتماعي, الذي نحتاجه بنفس قوة حاجتنا الى مثلث الاصلاح الشامل, ليصبح مربعا كاملا, فالبيئة الحاضنة هي اساس إنجاح او إفشال اي مشروع, ودون البيئة الحاضنة الاجتماعية الثقافية, لا امل بالاصلاح, ونجح الرئيس في القاء هذه القنبلة بين الطلبة, لتحفيزهم على كسر هذا النمط السائد, فالحياة الحزبية والتطور الحزبي, هو وحده الضامن لكسر ثيمة ابن الوزير?وزير وابن الغفير غفير.
حقيقة ان الرئيس بنى مدماكا من الثقة واقعة, لكنه بالمقابل وضع نفسه تحت المجهر, فعدم اسرافه بالوعود صفة حميدة, لكن انضباطه بالحكم الرشيد وتنفيذ التزاماته بالمساواة والعدالة وبناء قاعدة المعرفة للشباب واجبة, كذلك التزامه بحماية منظومة التحديث السياسي من العبث ومن اصحاب التوجه البيروقراطي كما وصفهم او الرافضين او المتشككين من الاصلاح السياسي واجبة اكثر, مع توفير اعلى قدر من الممكنات التعليمية سواء الاكاديمية او المهنية او التقنية لمواجهة متطلبات سوق العمل اكثر وجوبا, فنحن نطالبه بالزام ان يوفر بيئة تشريعية تضم? تقليص النفوذ الفردي او المؤسساتي الى اقصى حد ممكن, وهذه في يده, اي ان ثلثي منظومة الاصلاح الشامل في يد الرئيس وعليه توفير ممكنات النجاح والعمل فيهما
تبقى رؤية التحديث الاقتصادي, الذي قدم الرئيس تجديدا على تأكيده امام الملك في حفل اطلاقها في البحر الميت, انها محكومة بعوامل خارجية اكثر من احتكامها لعوامل داخلية فقط, وانه ملزم بتوفير البيئة الحاضنة لها تشريعيا واجرائيا, لكنها طموحة جدا بما يفيض عن قدرة حكومة او حكومات, وفيها من الممكنات ما يجعلها اقل من رؤية واكثر من فكرة, عند وضعها على مائدة التنفيذ, فهي بحاجة الى اعادة بناء المجتمع على اسس من الثقافة الجديدة التي تُعلي المهني على الاكاديمي, وتجعل التقني قيمة جديدة لمجتمع اعتاد على ثقافة الكرتونة الجامعي?.
https://alrai.com/article/10790496