عمر كلاب
لست متيقنا من نجاح مشروع التحديث السياسي, ولا من نجاح اي من مشاريع التطوير والاصلاح, ليس بسبب من الجهات الرسمية, او انكفاء الدولة عن دعم تلك المشاريع, على شدة ما تواجهه هذه المشاريع من تعطيل وتسويف, من بعض القوى الفاعلة في السلطة واركان طبقة الحكم, بل الخوف بسبب غياب ارضية ملائمة لحوار عام بين التكوينات السياسية والاجتماعية, بعد ان جرى تجريف المجتمع, وتقليم اظافر كل صاحب رأي مخالف, فما زلنا اسرى للصوت اليميني, القابض على مفاتيح اللعبة, بكل شراسة, سواء في بعض اركان السلطة, او في الحياة الاجتماعية والسياسية.
لن نخترع العجلة, فمرحلة الانتقال من مرحلة الى مرحلة داخل الطور الوطني الواحد, يتطلب حوارا منفتحا, وصراعا بين برامج متعددة المرجعيات الفكرية, دون ارهاب او تلقيم للاسلحة بذخائر التهم المعلبة والطازجة, وتقويل النص او الخطاب ما لم يقله, فنحن امام برامج سياسية واقتصادية وادارية مطروحة على طاولة الوطن, وتهم التخوين والتكفير, لا يمكن ان تفضي الى صراع برامجي, بل ستفضي الى تراجعات وصمت من عقول لديها على الاقل وجهة نظر, تدعي انها قابلة للتطبيق, بل انها جزء من مرحلة تحرير العقل المخطوف من اليمينيين والمتطرفين.
مرحلة الانتقال, لا يمكن ان تتم, وسط اجواء تحاكم القائل, لا القول, وتحاكم القول المخالف, بادوات بدائية, متطرفة, قائمة على روابط الدم والاصل والمنبت في جزء منها, وعلى ذبح المخالف وعدم السماح لافكار جديدة بأخذ حقها في الحوار المفتوح والمعلن دون سيوف التطرف, وهذا السياق لن يفضي الى غير تأبيد الوضع القائم, بكل ازماته وامراضه, فنحن لا نتحاور بل نأتي للحوار بقرار, وهذا ينفي صفة الحوار ابتداء, ويقودنا الى مرحلة الاصطفاف والتخندق, فإما معي واما ضدي, ولا اظن ان كثيرين يرغبون في الدخول الى مثل هذه الخانة, تحديدا بعد المشهد الصادم بإغتيال الشهيد ناهض حتررحمه الله.
ازمة التنوير والحداثة في بلادنا, انها بدون حواضن اجتماعية مؤمنة بالدمقرطة والحرية, فتجد التيار الديمقراطي الحقيقي, اسير محابس ثلاثة, اولها محبس السلطة او اطراف فاعلة فيها, ترفض فكرة الدمقرطة القائمة على العدالة في كل أمر, وثانيها محبس المجتمع الذي خطفه تحالف اليمين الديني واليمين الاجتماعي, وثالثهما جبن التيارات السياسية التي تدعي الدمقرطة والمدنية, فهي جبانة عن الدخول في حوار حقيقي او صدام مع المحبسين السابقين, بل انها في اعماقها غير ديمقراطية, وتركب موجة الدمقرطة لتحقيق مكاسب ولملئ الفراغ في الحياة السياسية والاجتماعية, بدليل رفضها لحق الاقلية في التعبير عن وجهة نظرها, داخل الاطار الحزبي او السياسي.
نحن اليوم امام اشكالية طاغية على الحياة الفكرية, مفادها ان الجميع خائف من الجميع, والكل متربص بالكل, والدعم المقدم لتيار الحداثة والتنوير, كله تحت الطاولة لا فوقها, وهذا سيجعل نصر التيارات اليمينية محققا لا محالة, وسنخضع دوما للغرائزيين والشعبويين, ممن يضللون الناس, ولن ينجح اي مشروع حداثي او اصلاح سياسي واقتصادي, طالما ان الفضاءات مغلقة, والحوارات بين برامج اثبتت التجارب فشلها وعدم نفعها, دون السماح للجديد بحقه في النقاش والحوار, فإما يثبت فشله امام برنامج مقابل, او يحقق نجاحه ومشروعيته.