عمر كلاب

يسير مصطلح ان المقاومة فكرة والفكرة لا تموت, على عجلات نفاثة, هذه الايام, وثمة من يستبدل المقاومة باسم تنظيم او تيار, ينتمي الى فكرة او ايديولوجيا, وظني ان في ذلك تسطيحاً للحالة, وقفزاً في الهواء, فالايديولوجيات الفكرية تموت وتضعف, وقد شهدنا خلال هذا العمر القصير, نهاية ايديولوجيات وافكار وظهور اخرى, فأين الشيوعية او القومية او النازية او الفاشية, واين البعث العربي, اليس كل ما سبق افكاراً وايديولوجيات غابرة؟

الإيديولوجيا في النهاية هي العين التي من خلالها يمكن إسباغ المعنى على العالم، وإلا فهو في النهاية بلا معنى, ليست المشكلة إذاً في الايديولوجيا، فهي حتمية لا مهرب منها في النهاية، طالما كان الإنسان عاجزاً عن عناق المطلق مهما حاول, المشكلة تكمن في الاعتقاد باطلاقية الإيديولوجيا، أو القطعية الايديولوجية، بالرغم من نسبيتها, فالبناء الايديولوجي بصفة عامة، وهذا يبدو واضحاً في الايديولوجيات الكبرى التي عرفها التاريخ، عبارة عن نسق معين من القطعيات، أو الحقائق المطلقة التي لا يأتيها الباطل من أمامها ولا من خلفها، وذ?ك وفقاً لاعتقاد معتنقيها.

فالشيوعية بالنسبة للشيوعي مثلاً، هي حتمية لا تلبث أن تتحقق طال الزمان أو قصر، بل وهي المشكل لنهاية التاريخ، أو بدايته كما يحلو للماركسيين الرومانسيين أن يتصوروا، طالما أن السنن التي تحرك الكون هي سنن الديالكتيك وصراع النقائض, وانتصار الأمة بالنسبة لكافة القوميين على اختلاف مصادرهم ومواردهم، هو النهاية الحتمية للصراع، سواء كنا نتحدث عن قوميي ألمانيا أو إيطاليا أو العرب أو «مدينة الله» وفق تعبير سانت أوغسطين، هي النهاية الحتمية لهذه الدنيا بأسرها بالنسبة لكافة الايديولوجيات الدينية على اختلاف المصادر والموار? أيضاً.

فمهما كان المؤمنون في حالة من الضعف في هذه اللحظة أو تلك، إلا أن النصر في النهاية لهم وحدهم من دون بقية «المؤمنين» من مشارب أخرى، لا يختلف في ذلك مؤدلج إسلامي أو مسيحي أو يهودي أو هندوسي أو غير ذلك, فالقاسم مشترك بين كافة الايديولوجيات الدينية، وإن اختلف «نظام الحكم»، بل ويمكن القول إن «نهاية» التاريخ هي بدورها قاسم مشترك أكبر بين مختلف أنواع الايديولوجيات الكبرى، وإن اختلف مضمون هذه النهاية, بإيجاز العبارة، كل الايديولوجيات الكبرى تشترك في الهيكل العظمي المتشابه، وإن كانت تختلف في نوع ولون اللحم الذي يكسو?ذلك الهيكل والدماء التي تجري فيه.

ينبغي فهم سيروة التاريخ ومنطقه, دون الارتكان الى عوامل الوهم والغرائز, التي تُعفي المفكر والسياسي, من عبء مواجهة اللحظة والمستقبل, صحيح ان المقاومة فكرة, ولكنها مسنودة بمرجعية ايديولوجية, وهذه الايديولوجية توهن وتضعف وتتيبس اعصابها الحساسة, فلا تستشعر بالواقع المحيط, فتذبل وتتيبس اطرافها, وتغدو شبه مشلولة او مترهلة, وسبق ان رأينا مقاومة قومية ويسارية, قبل ان تكون هناك مقاومة بجذر ديني, وكلها فقدت حضورها, بفعل تجاهل عوامل التاريخ وتطورات البناء المجتمعي, والاخطر صدامها مع الايديولوجيات الباقية واحتكارها الح?يقة.

ليس المطلوب التوقف عن المقاومة, تحديدا في ظروف الاحتلال, ولكن المطلوب تثوير فكرتها, وتحسين بيئتها, وتجويد مخرجاتها, حتى لا ينصدم المجتمع بما سيجري لاحقا, حال هزيمة مقاومة او انكسار مشروعها في ظرف تاريخي او لحظة تاريخية, كما انكسر مجتمعنا العربي, بعد حرب الكويت, ولكن المطلوب ان تتصالح الفكرة والفكر مع واقعه الاجتماعي, والا يتناقض معه, ونحن نرى اليوم واقعا متناقضا داخل بيئات حاضنة للمقاومة, دون اي طروحات للتوافق والمواءمة او قبول الآخر دون منطق الالغاء, ولعل ما يميز اي فكرة هي قدرتها على التكيف والاحتواء, ثم?اعداد البرنامج القادم, والانطلاق نحو افق جديد, نعم الفكرة لا تموت لكنها تضعف, حد الانتهاء, ومن لا يصدق, عليه مراجعة افكار ثائرة, سادت مجتمعاتنا العربية, مثل الناصرية والشيوعية والبعثية, بعد ان تحولت هذه الافكار الى منتديات تخلو من الأعضاء.

omarkallab@yahoo.com