مرايا – طلبت الحكومة الألمانية من نظيرتها الروسية المساعدة في العثور على يان مارشاليك، الرجل الثاني في المؤسسة المالية الألمانية وايركارد التي أعلنت افلاسها في الآونة الأخيرة.
ويعتبر مارشاليك أهم رجل مطلوب من قبل الإنتربول الدولي حالياً إذا تسعى السلطات الألمانية إلى التحقيق معه بشأن اختفاء نحو ملياري يورو من أموال المؤسسة.
ومنذ اختفاء مارشاليك في شهر تموز الماضي تتكشف المزيد من المعلومات عن صلات وأنشطة هذا الرجل ليس في عالم المال والتجارة بل وفي عالم السياسة والجاسوسية والصراعات في أكثر من مكان مثل سوريا وليبيا.
وما يلفت الانتباه أن الرجل سافر أكثر من 60 مرة إلى روسيا خلال السنوات القليلة الماضية واستغرقت معظم الزيارات ساعات معدودة.
لدى مغادرته ألمانيا قبل أن يضيع أي أثر له اشترى مارشاليك بطاقة سفر إلى الفليبين بحجة انه ذاهب الى هناك لاستعادة ملياري يورو مودعين في حسابين مصرفيين هناك.
وقد جرى تزوير سجلات الهجرة في الفليبين لإثبات وصوله إلى مطار مانيلا ودخوله البلاد وانه غادر من هناك إلى دولة في جنوب شرق آسيا. وتبين لاحقاً أن لا أساس لذلك وأن الرجل متوار قرب موسكو بحماية المخابرات الروسية حسب تحقيق قامت به مؤسسة بيلينغ كات بالتعاون مع أسبوعية ديرشبيغل الألمانية.
في شهر يوليو/تموز الماضي نشرت صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية تحقيق مطولاً عن الرجل حمل عنوان: من المال إلى السلاح: الحياة المزدوجة ليان مارشاليك. وحسب الصحيفة أن الأخير كان يولي اهتماما خاصا بالصراع في ليبيا وانه أعلن في إحدى المناسبات أنه ينوي تجهيز قوة من 15 ألف شخص في ليبيا بهدف تحقيق مكاسب ومنافع اقتصادية هناك بالتعاون مع الروس.
وكانت بداية المشروع أنه جند عدداً من الخبراء الأمنيين النمساويين والدوليين لهذا الغرض مستغلا في إطار نشاطه في جمعية الصداقة النمساوية الروسية التي تدعهما روسيا. و باتت الجمعيةتحت المجهر في الآونة الأخيرة ويدور حولها الكثير من اللغط بعد أن تبين أن المسؤولة المالية فيها كانت تتلقى من مارشاليك وثائق سرية وحساسة خاصة بجهاز المخابرات النمساوي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني وكانت تقوم بدورها بتسليمها لحزب الحرية اليميني القومي المناهض للأجانب.
ونقلت صحيفه فايننشيال تايمز عن عدد من المعنيين الذين كانوا على صلة بمخطط مارشاليك أن الأخير لم يكن معنيا بأي نفوذ أو مصالح اقتصادية في ليبيا بل التحكم بموجات الهجرة القادمة من ليبيا الى القارة الأوروبية عبر تمويل مليشيا محلية تضم آلاف المسلحين الليبييين السابقين وبالتالي تتحول إلى قوة شرطة محلية تعمل تحت راية الحكومة الليبية الشرعية في طرابلس ومهمتها فقط منع تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
وحسب الصحيفة أن ما لفت الانتباه أكثر أنه قدم بعض الخبراء والمسؤولين النمساويين السابقين الذين نجح في إقناعهم للعمل معه في مشروعه في ليبيا إلى شخص روسي يجيد اللغة العربية قائلا إنه سيتولى توفير الحماية لهم في ليبيا.
وكان مارشاليك يقدم الشخص الروسي للحضور باسم العقيد ولم يكن ذلك “العقيد” سوى أندريه شوبريغين الذي عمل لفترة طويلة مع المخابرات الروسية والمخابرات العسكرية الروسية في الشرق الأوسط ويتولى حالياً تدريس الاقتصاد في كلية موسكو العليا للاقتصاد حسب الصحيفة.
سر نوفيشوك
ونقل موقع إنسايدر الاخباري عن مسؤولي حفظ القانون في الاتحاد الأوروبي أن مارشاليك كان يتفاخر برحلته بمرافقته مسؤولين عسكريين روس إلى مدينة تدمر الأثرية السورية بعد طرد مسلحي تنظيم الدولة منها عام 2017 بمساعدة عسكرية روسية شملت الدعم الجوي ومرتزقة من شركة فاغنر الأمنية الروسية.
كما تفاخر مارشاليك مرة أمام زملائه بأنه يعرف تركيبة غاز الأعصاب نوفيتشوك، حيث عرض مستندات تضمنت التركيبة الكيميائية للمادة التي استخدمها عملاء روس في محاولة قتل العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في مدينة سالزبوري الانجليزية عام 2018 حسب صحيفة فايننشيال تايمز.
ففي عام 2018 عندما ظهر مارشاليك في اجتماع نظمته وايركارد في لندن لوح بملف غير عادي للغاية في محاولة لثني التجار والمضاربين عن بيع أسهمهم في المؤسسة ولتأكيد موقفها المالي القوي إذ كانت وايركارد ومارشالك يحاولان تفادي عمليات البيع على المكشوف لأسهم الشركة.
كانت بحوزة مارشاليك أربعة تقارير سرية شديدة الحساسية صادرة من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تحتوي على تحليل تفصيلي للعملية الروسية في مدينة سالزبوري، حيث تم استخدام أحد أكثر سموم الأعصاب فتكاً في العالم في محاولة اغتيال فاشلة ضد العميل الضابط السابق في المخابرات العسكرية الروسية GRU سكريبال.
وتضمن الملف الصيغة الكيميائية الدقيقة لنوفيتشوك الذي طوره العلماء السوفييت خلال حقبة الحرب الباردة.
من غير الواضح من أين حصل مارشاليك على مثل هذه الوثائق. إذا لم يُسمع عن تسريبات من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إحدى المنظمات الدولية الأكثر أماناً في العالم. لكن قبل أشهر من رحلة مارشاليك إلى لندن كانت المنظمة هدفاً لعملية قرصنة من قبل المخابرات العسكرية الروسية والتي أحبطتها أجهزة المخابرات الهولندية في أكتوبر 2018.
إن قيام مارشاليك بالتلويح بهذه الوثائق الحساسة علانية في لندن في الوقت الذي كانت فيه أجهزة المخابرات والأمن البريطانية في حالة تأهب قصوى ضد العمليات الروسية، وتتبع بقوة أدلة تتعلق بحادث سالزبوري، يدل على استهتار ومغامرة لا حدود لها حتى بمعايير للعملاء الروس.
ولدى سؤال مسؤول أمني هولندي من قبل موقع إنسايدر الإخباري عما يمكن أن تستفيده المخابرات الروسية من التورط مع شركة وايركارد أجاب: “هناك مليون سبب للعمل مع وايركارد. يحتاج المسؤولون الروس دائماً إلى نقل الأموال إلى الغرب، وكانت وايركارد تجمع الكثير من الأموال ولكن ليس بالقدر الذي أخبروا به المستثمرين. لذلك هناك مؤشرات قوية على عمليات غسيل أموال واحتيال”.
وأشار المسؤول إلى تحقيق جنائي نمساوي بحق المسؤولين السابقين في وايركارد واللذين ألقت القبض عليهما السلطات الألمانية وقال: “بات بإمكان الروس الآن الوصول إلى الأموال المتدفقة إلى أوروبا وألمانيا عبر وايركارد وحتى مارشاليك ورئيس المؤسسة في النمسا”.
وقال مسؤول في مكافحة التجسس في أوروبا الوسطى لم يتم الكشف عن اسمه بسبب العلاقات الوثيقة بين حكومته ورجال الأعمال:”من المفهوم جيداً أن الحكومة الروسية وأجهزة المخابرات تتوقع مزايا مالية من خلال دعم العمليات الاستخباراتية غير الرسمية من قبل رجال الأعمال المفضلين لديها”.
وقال المسؤول : “إن الادعاء العام في النمسا يحقق فيما إذا كانت وايركارد أو هؤلاء المسؤولين قناة إيصال الدعم المالي الروسي إلى الشخصيات السياسية في البلاد”.
ففي عام 2019 فتح المدعي العام تحقيقاً في استخدام البنوك النمساوية في غسيل الأموال الروسية الأمر الذي هدد بفضح أعضاء في النخبة السياسية.
وفي / آذار 2019 اضطرت حكومة المستشار النمساوي سيباستيان كورز إلى الاستقالة بعد ظهور مزاعم بأن مسؤولين من شريكهم الأصغر في الائتلاف، حزب الحرية اليميني المتطرف أقاموا علاقات مريبة مع مواطنين روس.