مرايا – أفادت دراسة جديدة أعدها فريق دولي من العلماء بأن الاضطراب المغناطيسي الذي حدث على الأرض منذ ما يقرب من 42 ألف عام، أدى إلى تغيرات مناخية كبيرة على نطاق واسع، وانقراض واسع للعديد من الكائنات والنباتات، إضافة إلى تحولات في سلوك البشر القدامى.
وعثر العلماء على أدلة وقوع هذه التغيرات المروعة في بقايا الأشجار المتحجرة، ومن خلال محاكاة الظروف التي سادت إثر انحراف القطبين المغناطيسيين للأرض بالتزامن مع تغيرات في النشاط الشمسي.
اضطراب مغناطيسي
من المعروف أن القطب الشمالي المغناطيسي -النقطة التي تشير إليها إبرة البوصلة المغناطيسية- ليس له موقع دائم، وعادة ما يتأرجح حول القطب الشمالي الجغرافي -النقطة التي تدور حولها الأرض- بسبب حركة نواة الأرض.
لكن، ولأسباب لا تزال غير واضحة للعلماء، يمكن أن تكون حركة القطب المغناطيسي أحيانا أكثر حدة، فيتحرك القطب المغناطيسي الشمالي جنوبا والجنوبي شمالا دون أن ينعكس تماما.
ويحدث ذلك اضطرابا دراماتيكيا في مغناطيسية الأرض مثل الذي حدث قبل 42 ألف عام، ويعرف باسم “انحراف لاشامب” (Laschamps Excursion)، نسبة إلى القرية الفرنسية التي عثر فيها لأول مرة على آثار هذا الحدث.
ومع أن العلماء قد عثروا على أدلة كثيرة على وقوع هذا الحدث في جميع أنحاء العالم، فإنه لم يتضح لهم ما إذا كانت له آثار على المناخ والحياة على الكوكب أم لا.
في الدراسة الجديدة المنشورة مؤخرا في دورية “ساينس” (Science)، توصل العلماء إلى جمع أدلة تشير إلى أن تأثيرات هذه الظاهرة على المناخ والحياة كانت عالمية وبعيدة المدى، وفقا لبيان صحفي لجامعة “نيو ساوث ويلز” (University of New South Wales) الأسترالية.
وأطلق الباحثون على ما جرى في تلك الفترة اسم “حدث آدامز”، نسبة لكاتب الخيال العلمي دوغلاس آدامز الذي حدد في إحدى رواياته الرقم “42”، باعتباره إجابة للحياة والكون وكل شيء.
الأشجار تكشف ما حدث
وللوصول إلى هذه الأدلة، حلل الباحثون أشجار الكوري (kauri) النيوزيلندية القديمة التي تم حفظها في المستنقعات والرواسب لأكثر من 40 ألف عام. وباستخدام حلقات النمو السنوية لهذه الأشجار، تمكنوا من إنشاء جدول زمني مفصل لكيفية تغير الغلاف الجوي للأرض خلال تلك الفترة.
وكشفت نتائج التحليل عن حدوث ارتفاع في مستويات الكربون المشع في الغلاف الجوي بسبب انهيار المجال المغناطيسي للأرض مع انحراف القطبين، مما وفر طريقة للربط الدقيق بين السجلات المتفرقة جغرافيا.
وباستخدام الجدول الزمني الذي تم إنشاؤه، تمكن الباحثون في الدراسة من كشف تبدل مفاجئ ومتزامن لأحزمة المطر الاستوائية في المحيط الهادئ والرياح الغربية للمحيط الجنوبي، تحولت على إثره العديد من المناطق من رطبة إلى جافة وقاحلة.
وأدت هذه التغيرات المناخية إلى انقراض العديد من أنواع النباتات والحيوانات الضخمة، بما في ذلك حيوانات الكنغر العملاقة التي كانت تعيش في أستراليا.
أما في شمال الكرة الأرضية، فقد نمت صفيحة “لاورنتيد” (Laurentide) الجليدية بسرعة شرق الولايات المتحدة وكندا، وفي أوروبا بدأ انقراض كائن النياندرتال.
الهروب إلى الكهوف
كما وجد الباحثون من خلال المحاكاة الحاسوبية للتفاعلات بين الكيمياء والمناخ، أن قوة المجال المغناطيسي الأرضي انخفضت إلى أقل من 6% مما هو عليه اليوم. وفي ظل هذه الظروف فقد كوكبنا درعه الذي يحميه من الإشعاع الكوني، مما أتاح للعديد من الجسيمات المشحونة الوصول إلى الجزء العلوي من الغلاف الجوي.
وتزامنا مع ذلك، شهدت الشمس العديد من فترات الخمول، كان النشاط الشمسي خلالها أقل بكثير من المعتاد وغير مستقر، مما أدى إلى إطلاق العديد من التوهجات الشمسية الضخمة التي سمحت بوصول المزيد من الأشعة المؤينة والقوية إلى الغلاف الجوي العلوي للأرض، وشحن الجسيمات في الهواء والتسبب في تغيرات كيميائية أدت إلى فقدان طبقة الأوزون في الغلاف الجوي.
ووفقا للباحثين، فإن هذه التغيرات الدراماتيكية ومستويات الأشعة فوق البنفسجية العالية غير المسبوقة، دفعت البشر الأوائل إلى البحث عن مأوى في الكهوف، وهو ما يفسر الازدهار المفاجئ الواضح لفن الكهوف عبر العالم منذ 42 ألف عام.