ما زال رعب جائحة كورونا يُخيّم على العالم بسبب عدد الوفيات المتزايد الذي تعاني منه بعض الدول مثل الهند، والتي تعد ثاني دولة في العالم في تفشي حالات كورونا، وثالث دولة على مستوى العالم في عدد الوفيات بسبب الفيروس، إلا أن هذا الرعب زادت حدته مع زيادة عدد الوفيات بسبب تفشي «الفطر الأسود» في الهند. هذا مع إعلان منظمة الصحة العالمية وصول سلالة كورونا الجديدة إلى عدد من الدول منها البحرين والأردن والمغرب.
كورونا والفطر الأسود
أوضحت الدكتورة نجوى محمد الصاوي، استشارية حساسية ومناعة في مستشفى سليمان الحبيب، أن الهند اعتادت تسجيل عشرات الحالات السنوية من عدوى الفطر الأسود، لكن هذا العام وتزامناً مع جائحة فيروس كورونا التي تفتك بالبلاد، تخطت الأرقام المسجلة بهذا الفطر عتبة السبعة آلاف إصابة مع إعلان تسع ولايات هندية على الأقل أن العدوى تحولت لديها إلى وباء، ونخشى – نحن الأطباء- انتشاره في العالم بسبب جائحة كورونا وضعف مناعة المصابين، فهذا الفطر من المعروف عنه أنه تكمن خطورته على المرضى الذين يعانون من المناعة الضعيفة، مثل مرضى الإيدز والسكر ومرضى السرطان الذين يخضعون للعلاج الكيماوي، ومرضى المناعة الذاتية الذين يضطرون إلى استخدام الكورتيزون لفترات طويلة لتثبيط المناعة.
ما هو الفطر الأسود؟
الفطر الأسود أو العفن الأسود ينتج عن العفن الموجود في البيئات الرطبة مثل التربة أو السماد، والمواد العضوية مثل روث الحيوانات، وطبيعته أنه غير مُعدٍ، ولا ينتقل من شخص إلى آخر وفق مراكز مكافحة الأمراض والوقاية في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن مع انتشار الجائحة المرتبطة بضعف المناعة أصبح الفطر عبارة عن عدوى قاتلة بالفطريات، فنسبة الوفيات بين المصابين بالفطر الأسود تتخطى ما يزيد على 50%.
أسباب التفشي في الهند
من الأسباب التي يعتقد أنها وراء تفشيه في ولايات الهند زيادة الجثث بسبب وفيات كورونا، والطريقة غير الصحية للتخلص من الجثث عن طريق رميها في نهر الجانج بعد أن عجز أهالي الموتى
عن شراء الخشب لحرق الجثث لغلاء المعيشة، ما زاد من تفاقم انتشار الفطر في الهند، بالإضافة إلى لجوء بعض الطوائف الهندية إلى العلاج عن طريق الاستحمام بروث البقر المقدس كاعتقاد ديني، والاستحمام والتبرك بنهر الجانج الذي يحتوي على الجثث الملقاة.
وقد تم تسجيل آلاف الإصابات بهذا الداء لدى الذين أصيبوا بفيروس كورونا، لتتفاقم الأعباء الصحية في البلاد التي تواجه موجة جديدة من الوباء، وأيضًا يصاب الناس بداء الفطريات – الذي توجد منه عدة أنواع – عن طريق استنشاق الخلايا الفطرية (الأبواغ)، والتي يمكن أن تنتشر في المستشفيات والمنازل عن طريق أجهزة ترطيب الهواء.
الكورتيزون والمضادات الحيوية
ومن الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى تفشي وزيادة إصابات الفطر الأسود، المبالغة في استخدام الكورتيزون والمضادات الحيوية في غير محلها، خاصة لدى مرضى الكورونا، فهي أحد الأسباب الرئيسة للإصابة بالفطر الأسود، علاوة على أن أنابيب الأكسجين وأجهزة التنفس في المستشفيات تعد أحد أهم أسباب العدوى لو لم يتم تعقيمها بشكل صحيح، بسبب رطوبتها العالية.
الأعضاء التي يهاجمها الفطر الأسود
يصيب الفطر الأسود الأنف والجيوب الأنفية والأسنان وعظام الوجه، ويسبب تجلطات في الأوعية الدموية الدقيقة، ما يتسبب في موت الأنسجة بما يُعرف بالـ«غرغرينة»، والتي قد تمتد للعين والعصب السابع المغذي لعضلات الوجه، كما قد تمتد أيضاً إلى شرايين المخ.
الأعراض والإسعافات والعلاجات
من أعراض الفطر الأسود صداع وآلام في الوجه، وآلام في الأسنان، وانسداد وإفرازات داكنة من الأنف، وزغللة وضعف في الإبصار، وتغير لون سقف الحلق، وتدهور درجة الوعي.
من الضروري أن يخضع المصاب بالفطر الأسود للتنويم في المستشفى؛ ليتم علاجه عن طريق فريق طبي من عدة تخصصات، وتبدأ رحلة العلاج بإعطاء المريض الأدوية العلاجية مثل مضاد الفطريات، ووفقاً للحالة يمكن اللجوء إلى العلاج الجراحي لإزالة الأنسجة الميتة التي تضررت بسبب الإصابة، وقد يضطر أطباء الجراحة إلى إزالة العين في حالة إصابتها؛ للحفاظ على حياة المريض منعاً لوصول المرض إلى المخ، فقد نشرت صحيفة «صن» البريطانية أن نحو 60% من المرضى الذين تم علاجهم في مستشفيات الهند من فيروس كورونا، أزالوا عيناً واحدة على الأقل، وقد يُضطر الجراحون أحياناً إلى إزالة أنف المرضى أو الفك لمنع الفطر من الوصول إلى الدماغ، وتعد هذه العدوى قاتلة إذ يموت أكثر من نصف من يصاب، ويبلغ متوسط معدل الوفيات 54%، وفقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها.
الدكتورة نجوى محمد الصاوي:
ننصح بعدم تناول الأدوية بشكل عشوائي، وخاصة الكورتيزون والمضادات الحيوية من دون إشراف طبي دقيق.
نصائح لتجنب الإصابة
ننصح بعدم تناول الأدوية بشكل عشوائي، وخاصة الكورتيزون والمضادات الحيوية من دون إشراف طبي دقيق، وعدم الإفراط في استخدامها، وللوقاية من الإصابة بالفطر الأسود يجب التقيُّد بعدة إجراءات:
1 تجنب استنشاق أبواغ العفن أو الفطر.
فالعفن حينما يتكاثر يُكوِّن أبواغاً حتى تستطيع التنقل عبر الهواء، ومع صعوبة تجنب هذا الأمر يفضل تقليل فرص الذهاب إلى مناطق العفن، وتجنب استنشاق مثل هذه الأشياء عن طريق ارتداء الكمامة.
2 الابتعاد عن الغبار
يجب الابتعاد عن المناطق التي يوجد بها الكثير من الغبار أو الأتربة مثل مواقع البناء أو الحفريات، وإذا كان على الشخص الوجود في هذه المناطق فعليه ارتداء كمامة «N95».
3 تجنب استعمال المياه الملوثة
يجب ألا يتم استخدام مياه الفيضانات، أو المباني التي تضررت بالمياه، خاصة بعد الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير أو الفيضانات.
4 إذا كان الشخص يعاني من ضعف المناعة فلا بد له من الابتعاد عن بعض المهن المرتبطة بالزراعة أو البناء، أما إن كان من الصعب التخلي عن الوظيفة فيجب على الإنسان أن يقوم بحماية نفسه بارتداء القفازات والسراويل الطويلة والكمامات، كما يجب غسل الجروح أو الخدوش بالماء والصابون بأسرع ما يمكن في حالة الإصابة.