مرايا – ما يزال تواجد المليشيات الإيرانية والشيعية محدودا في الجنوب الغربي والشرقي السوري الملاصق للمملكة، في الوقت الذي تتجاوز فيه تقديرات المعارضة السورية لأعداد مقاتلي هذه المليشيات التابعين لإيران في سورية اكثر من 120 ألف مقاتل، يستحوذ الحرس الثوري الإيراني (فيلق القدس) وحده على 70 ألفا منها.
وتعزو المعارضة هذا التواجد المحدود والضعيف في الجنوب الى تفاهمات اتفاق خفض التصعيد، والتي نصت بعدم اقتراب المليشيات الاجنبية من الحدود الأردنية، اذ تبعد اقرب منطقة لتواجد المليشيات الايرانية في الجنوب الغربي السوري، وهي مدينة ازرع مسافة 35 كلم من الحدود، في حين تبعد اقرب منطقة لتواجد هذه المليشيات في البادية وهي بير محروثة حوالي 40 كلم، فيما التواجد في ريف السويداء الشرقي بمسافة لا تقل عن 8 كلم من الحدود يقتصر على الخبراء العسكريين.
بيد ان ثقل هذه المليشيات العددي في الجنوب السوري يتركز في مثلث الموت، وهو نقطة التقاء محافظات ريف دمشق الشرقي و درعا والقنيطرة، والذي يبعد عن الحدود الاردنية مسافة لا تقل عن 70كلم، ويتواجد فيه اكثر من 15 الف مقاتل من هذه المليشيات وفق تقديرات المعارضة.
وكان ممثلون عن كل من الأردن وأميركا وروسيا وقعوا في عمان 12 في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي على تأسيس منطقة خفض تصعيد مؤقتة جنوب سورية، تتويجا لاتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، الذي أعلن من عمان أيضا في تموز (يوليو) الماضي.
وبموجب الاتفاق الجديد، تلتزم الأطراف السورية؛ النظام والمعارضة، في الجنوب السوري بإخلاء مناطق سيطرة هذه الأطراف من تواجد أي ميليشيات أو تنظيمات أجنبية. كما تتضمن إقامة إدارات محلية مدنية لإدارة شؤون المواطنين في هذه المناطق، فيما يتم لاحقا بحث إعادة فتح معبر نصيب الحدودي مع المملكة.
وتتمدد هذه المليشيات، بشكل هلامي على امتداد الارض السورية، منذ بدء ظهورها في سورية في العام 2014، وهو ما مكنها من ان تتفرد بالسيطرة على مساحات كبيرة دون ان يشاركها بها احد، مثل البادية السورية المحاددة للاردن والعراق.
فيما يؤكد المكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية وفق دراسه له أن ميليشيا “الحرس الثوري الإيراني” أو ما يعرف باسم “فيلق القدس” والتي تنتشر في محيط مطار دمشق الدولي، ومحيط مطار الضمير، وبالقرب من أكاديمية الأسد في حلب، ومعسكر الطلائع في طرطوس، يبلغ عدد مقاتليها بحدود 70 ألف مقاتل.
“الكلمة الاولى على الارض السورية حاليا لإيران، فيما الجو أصبحت تمتلكه روسيا”، هكذا تختزل المعارضة السورية تعقيدات الوضع السوري من وجهة نظرها، والذي اصبح يواجه انسدادا سياسيا، مع انتهاء اجتماعَي “جنيف8 ” و”استانا8″ مؤخرا دون توصلهما الى نتائج قد تساهم في فكفكة الصراع، الذي يقترب من دخوله العام الثامن.
هذه التوصيفات للوضع السوري، من وجهة نظر للمعارضة مبنية على ما تمتلكه ايران من مليشيات على الارض السورية، لدى قياداتها اجندات سياسية وعسكرية قد تفترق في كثير من الاحيان عن اجندات الحكومة السورية وروسيا، ما يخلق حالة انغلاق امام مفاوضات الحل السياسي.
وهو ما يؤكده الخبير الاستراتيجي والمحلل العسكري السوري المعارض العميد احمد رحال، بالقول ان “الكلمة الاولى على الارض السورية اصبحت لإيران التي تمتلك حاليا ما يقارب من 120 ألف مقاتل، وهو ما يفسر الانتهاكات التي تحدث في مناطق خفض التصعيد الاربعة في سورية”.
وقال رحال إن “ايران ترفض في الحقيقة مناطق خفض تصعيد في سورية رغم مشاركتها بها شكلا، على اساس انها تحد من حركة استيلائها على الارض السورية، كما هو حاصل في الجنوب السوري، والذي يخضع لمنطقة خفض تصعيد وقرارا اميركيا بعدم اقتراب هذه المليشيات من الحدود الأردنية والاسرائيلية، وهو ما يفسر ضعف تواجدها بالقرب من هذه الحدود حتى الآن”.
وحول أماكن تواجد المليشيات الايرانية والشيعية التابعة لها في الجنوب السوري يشير رحال الى أن “هناك معسكرا وتواجدا للإيرانيين مع عناصر لحزب الله في قيادة الفرقة الخامسة وفوج المدفعية في مدينة إزرع في محافظة درعا، بالإضافة الى اللواء 313 الذي تم تشكيله بعناصر من إيران وشيعة مرتزقة وحزب الله، وشيعة حوران وعناصر من الدفاع الوطني الذين تم إغراؤهم بالرواتب العالية، والذي يتواجد في قرية قرفا في محافظة درعا وهي بلد رستم غزالي، والذي عمل رئيسا للأمن السياسي في سورية، وتوفي في ظروف غامضة في العام 2015”.
كما يوجد في قيادة الفرقة التاسعة في بلدة رحبة جباب في محافظة درعا، بحسب رحال عناصر وخبراء عسكريون ايرانيون وشيعه، بالاضافة الى وجةدهم في معسكر للشيعة وفوج مدفعية جباب وحقل رمي الفرقة التاسعة.
ووفقا لدراسة المؤسسة السورية للتوثيق والنشر، فإن ميليشيا “لواء الفاطميون” الأفغانية الشيعية، والتي تأسست عام 2014 لقتال المعارضة السورية، ويشرف على تدريبها ودعمها الحرس الثوري الإيراني، بقيادة المدعو علي رضا، تتمركز في منطقة تل قرين في ريف درعا الشمالي الغربي، ويبلغ عدد مقاتليها نحو 300 مقاتل منذ بداية دخولها لسورية.
من جانبه أكد القيادي في جيش الحمزه المعارض والذي يتواجد في الجنوب السوري خالد الزامل انه مع بداية الثورة سارعت ايران لدعم الموالي لها ومدهم بالأسلحة والذخائر، وكانت بداية التدخل من خلال حزب الله اللبناني ذراع ايران في المنطقة، والذي سرعان ما تدخل في الشأن السوري بارسال مقاتليه وتدريب بعض العناصر من ابناء محافظات الجنوب السوري وه درعا وريف دمشق والقنيطرة، في معسكرات نبع الفوار القريبة من الجولان السوري ومدينة بصرى الشام بريف درعا الشرقي.
وأضاف الزامل أن “الحزب اعتمد على ابناء المنطقة في تجنيد الشباب وضمهم لصفوفه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان المدعو ماجد فياض الذي ينحدر من مدينة بصرى الشام ذات الاقلية الشيعية فيها ذراع حزب الله في المنطقة الشرقية من محافظة درعا، يعمل كضابط ارتباط لحزب الله في الجنوب”.
وأوضح أن فياض عمل خلال الـ3 سنوات الاولى من الثورة السورية على تجنيد الشباب والعمل بمعزل عن قوات النظام، حيث كان يتلقى الاوامر من حزب الله مباشرة، وكذلك السلاح والذخائر والدعم المادي واللوجستي.
بعد مقتل فياض منتصف العام 2014 ، يضيف الزامل بدأت ايران بالعمل على تنظيم الموالين لها من خلال تشكيل اللواء 313 بقيادة محمود الخضر ابو كاظم وبتعداد يتجاوز 75 عنصرا، وبصلاحيات ودعم غير محدود، حيث تجاوز راتب العنصر في اللواء 300 دولار او ما يعادلها من الليرة السورية.
ويضيف الزامل، “لكن سرعان ما قتل ابو كاظم مع بعض عناصر اللواء خلال معركة تحرير مدينة بصرى الشام في 23/3/2015، وانسحاب باقي عناصر التشكيل للقتال الى جانب قوات النظام على جبهات ريف دمشق درعا”.
ولعل ابرز المهام التي كانت موكلة للواء يقول الزامل، هي “اعتقال كل من تربطه صلة قربى بالجيش الحر واحتجازهم في مراكز أعدت مسبقا لهذا الغرض، بعيدا عن اعين اجهزة النظام وأفرعه الامنية”. وقد ضم اللواء عناصر من مدينة بصرى الشام وقرفا بريف درعا.
ويقول الزامل “تعود اليوم ايران لتفعيل هذا اللواء المتهالك بتجنيد المزيد من ابناء محافظة درعا من الطائفة الشيعية حصرا، وقد تمكنت خلال الاشهر الثلاثة الماضية من ضم حوالي 325 مقاتلا في صفوف هذا اللواء، وجعلت من مدينة ازرع وتحديدا اللواء 12 وبلدة قرفا مقرات لهم”.
وفيما يتعلق بالبادية السورية، ينفي الناطق باسم فصيل قوات الشهيد احمد العبدو المعارض سعيد سيف ، اي تواجد للجيش السوري، مؤكدا ان التواجد في البادية شيعي خالص وهم اصحاب القرار فيها.
وحول مراكز ثقل تواجد المليشيات في البادية السورية، فيشير سعيد الى ان هذا التواجد يتركز في مزرعة الأماراتي 88 كلم عن الحدود الاردنية، بالإضافة الى مطار السين العسكري (99 كلم من الحدود الاردنية)، وبير محروثة (40كلم عن الحدود الاردنية).
ويقدر سعيد عدد مقاتلي هذه المليشيات بحوالي 2000 مقاتل، 500 منهم في مزراعة الاماراتي ومطار السين، والباقي ينتشرون في مواقع بالبادية.
بيد ان سعيد ينبه الى ان خبراء عسكريين وقادة غرف عمليات من الحرس الثوري الايراني وحزب الله والحشد الشيعي ينتشرون على كامل الشريط الحدودي مع الاردن بمسافة لاتبعد اكثر من 8 كلم تمتد من ريف السويداء الشرقي وصولا الى منطقة رجوم بكر قبل مخيم الركبان بمسافة 40 كلم.