مرايا – “الثعلب، العبقري، الرجل ذو الألف وجه”، تعددت الأسماء والمُلقب واحد، إنه المهندس الأول في كتائب الشهيد عز الدين القسام، أو “المعجزة”، كما يسميه قادة الاحتلال الإسرائيلي، الذين وقفوا بأجهزتهم الأمنية وقدراتهم العسكرية عاجزين عن اغتياله أو حتى الوصول إليه، حتى بلغ الهوس برئيس حكومة الاحتلال آنذاك اسحاق رابين، بالقول: “أخشى أن يكون عياش جالسا بيننا في الكنيست”.
“يحيى عياش”، الشهيد المهندس الذي شكّل علامة فارقة في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، والذي يمثل “رمزا للعمل العسكري الاستشهادي” في المقاومة الفلسطينية، فكان في نظر الاحتلال الإسرائيلي “أصعب من الوصف، وأعقد من الخيال، لا يُرى بالعين فيُمسك، ولا يُسمع بالأذن فيُرصد”.
في الذكرى الـ 22 لاغتيال المهندس عياش، يكشف أحد رفقاء دربه، ومن قاد الثأر لدمائه، في “عمليات الثأر المقدس”، عن كواليس حياة ومطاردة المهندس عياش والقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، ومطاردي كتائب القسام في قطاع غزة.
الأسير “حسن سلامة” الذي حكم الاحتلال عليه بالسجن مئات السنوات” 48 مؤبداً”، وقاد ونفذّ عمليات الانتقام لدماء عياش، يفتح قلبه “لشهاب”، كاسراً قيود وزنازين الاحتلال، وبلغة وبحروف تقرأ فيها الألم، عدنا مع “سلامة” الى سنوات مضت، قضى فيها “أجمل مراحل حياته” كما وصفها، مع رفاق الدرب في قيادة كتائب القسام.
اللقاء الأول
الأسير سلامة، الذي عاد الى فلسطين بعد غياب عامين، مع عدد من مجاهدي كتائب القسام الذين خرجوا، “لعدم توفر السلاح، ولتجهيز وإعداد أنفسهم ومساعدة المجاهدين في الداخل لتهريب السلاح، وبعد اكتمال المهمة، حان وقت العودة للأراضي المحتلة”، كما قال سلامة.
وأضاف: “لم يكن الأمر بهذه السهولة خاصة وأن عددنا في الخارج كمطادرين تجاوز الـ 20، وهذا العدد صنع معادلة جديدة في الخارج، حيث تمكّنا من التدريب العسكري”، لافتاً الى أن الشهيد القائد عدنان الغول كان أول العائدين من المطاردين الى فلسطين، وقد تدرب سلامة على يديه في الخارج.
وتابع: “عدت مع الشهيد عماد عباس الى قطاع غزة، فكُنا من أوائل العائدين بعد الشهيد الغول، وبعدما تجاوزنا الحدود في شهر ديسمبر من عام 1994، اعتقلتنا أجهزة أمن السلطة في قطاع غزة، وبقينا في السجن لمدة 6 أشهر”، مبيناً أنه عقب الإفراج عنهما، عادا للعمل مع كتائب القسام، وعلى رأسها “محمد الضيف والشهيد عدنان الغول والشهيد يحيى عياش”.
الاجتماع الأول للمطاردين العائدين الى فلسطين واللقاء الأول مع المهندس يحيى عياش، يصفه سلامة بالقول: “اجتمعنا في بيت أحد الإخوة لبحث أمورنا الداخلية ووضع خطة للعمل، خاصة بعد عودة بعض المطاردين من الخارج، وجميعنا يمتلك خبرة كبيرة في التصنيع وجميعنا من قطاع غزة وكنا نعرف بعضنا سواء كأصدقاء أو رفاق عمل”.
ويستدرك قائلا: “لكن كان بيننا رجل صامت لا يتحدث ويبتسم دائما، وبعدما تناولنا طعام العشاء، تحدث الرجل بلهجة ضفاوية، حينها أيقنا جميعاً أنه يحيى عياش، وكان ملقب حينها بـ (أبو أحمد)، وكانت هذه بداية التعرف على المهندس الرجل الصامت المبتسم”.
وبابتسامة بدت واضحة من بين حروفه، يتابع سلامة: “يحيى عياش صاحب الخبرة الكبيرة في العمل أدهشنا كثيراً، وتعلمنا منه أشياء كثيرة خاصة بمجال المتفجرات”، فالشهيد عياش نقل تجربته الى رفقاء دربه، وكان يقول: “بإمكان اليهود اقتلاع جسدي من فلسطين، غير أنني أريد أن أزرع في الشعب شيئًا لا يستطيعون اقتلاعه”.
السلطة تبحث عن “المهندس”
عام 1995 كانت يد السلطة الفلسطينية ضاغطة على المقاومة في قطاع غزة من خلال أجهزتها الأمنية، التي كانت تلاحق وتعتقل المطاردين من كتائب القسام، يصف سلامة تلك المرحلة بالقول: “الأجهزة الأمنية للسلطة كانت دائمة البحث عنا وملاحقتنا واعتقالنا، وكانت العلاقة بيننا وبينهم حسب الوضع السياسي، وحصلت الكثير من عمليات المواجهة بيننا وبينهم في تلك الفترة”.
وأضاف: “شهدت تلك الفترة أيضاً بحثاً مكثفاً من السلطة عن الشهيد يحيى عياش، خصوصا بعدما تأكدت أنه موجود في غزة، ووزعت الأجهزة الأمنية التابعة لها صور عياش على جميع عناصرها وحواجزها المنتشرة في القطاع”.
وتابع سلامة: “لكن الصورة كانت بعيدة كلياً عن الصورة الحقيقية للشهيد المهندس، الأمر الذي ساعده بالتنقل بشكل حر، ولكن مع الحذر الشديد، وفي تلك الفترة كانت ظروف حماس في غاية الصعوبة، وكانت تفقد معظم قادتها من الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي والمقادمة، داخل سجون الاحتلال”.
وأوضح سلامة، أن اعتقال الاحتلال لقادة حماس، تزامن مع ضغط كبير من السلطة الفلسطينية على الحركة وأبنائها، وأصبحوا ما بين معتقل أو مطلوب للسلطة، لافتاً الى أن المطاردين كانوا يمثلون الجهاز العسكري لحماس والمسؤول عن تنفيذ العمليات العسكرية وحماية الحركة قدر المستطاع، رغم النقص في الأمور اللوجستية والمالية، وغياب البيوت الآمنة التي يمكن أن يلجأوا لها، بسبب مطاردة السلطة والاحتلال لهم، كما وصف سلامة.
وقال: “كنا وقتها نبحث عمن يساعدنا أو لديه استعداد ليحتوينا، وكنا نجد لكن بصعوبة كبيرة بسبب ما تقوم به السلطة من قمع واعتقال ومتابعة لأبناء الحركة، وفي هذه الأجواء عاش معنا يحيى عياش هذه المطاردة والصعوبات”.
لكن ثمة إنجازات خفية بعيدة عن أعين السلطة والاحتلال، كان مطاردو كتائب القسام يصنعونها، إذ تمكنوا من إنشاء مصانع صغيرة للسلاح بفضل ما يتملكون من خبرة، وما هو متوفر من إمكانات، وما يستطيعوا جمعه من أموال سواء كتبرعات أو ديون”، على حد قول سلامة.
وتابع: “كان للمهندس يحيى عياش والشهيد عدنان الغول الفضل الكبير في هذه البداية، إضافة الى باقي المطاردين وخاصة العائدين من الخارج”، وأردف قائلا: “بدأنا بصناعة القنبلة اليدوية وبعد تجارب استطعنا إنتاج كمية من القنابل ذات الفعالية والتي استخدمت في العمل الجهادي”.
وأوضح سلامة أن بدايات تصنيع القذائف الصاروخية كانت في تلك الفترة، “إذ أجرينا الكثير من التجارب عليها، ويعود الفضل بذلك الى خبرة يحيى عياش وعدنان الغول، وبفضل قيادة أبو خالد الضيف، والذي لا يقل عنهم في جميع هذه المجالات إضافة الى تجربته الكبيرة وخبرته الطويلة في هذه الفترة”، على حد تعبيره.
وذكر سلامة أنه برغم صعوبة تلك الفترة، إلا أن الفضل كان بالمساعدة سواء بالمال أو المأوى للكثير من الأشخاص والعائلات، والذين مثّلوا حاضنة شعبية للمطادرين، ذكر منهم الشيخ محمد النجار الذي توفي في نوفمبر العام الماضي في خانيونس وقادة حاليين في حماس وغيرهم، مشيرا الى أنهم كانوا أصحاب فضل بفتح بيوتهم للمطاردين في الوقت الذي أُغلقت أمامهم الأبواب.
وأشار سلامة الى أن بيته أيضا كان مأوى للمطاردين، لا سيما الشهيد يحيى عياش ومحمد الضيف وغيرهم، وكذلك الحال منزل الشهيد عدنان الغول، وبيوت كثيرة، كانت تتم فيها الاجتماعات ويجرون بداخلها التجارب.
ولفت الى أنه من عاش تلك الفترة وحتى استشهاد المهندس يحيى عياش وبعد استشهاده، يعرف صعوبة الظروف التي عاشتها حماس ومطارديها، “وحجم إجرام السلطة وأجهزتها الأمنية خاصة جهاز الوقائي برئاسة محمد دحلان في ذلك الوقت، والذي كان مسؤولاً عن عمليات الملاحقة والمتابعة لأبناء الحركة وخاصة أبناء القسام”، على تعبيره.
وأضاف: “أن جهاز الوقائي بذل جهداً كبيراً لاعتقال الشهيد يحيى عياش وداهمت عناصره كل البيوت بحثاً عنه، واعتقلوا وعذبوا الكثير من المجاهدين ليصلوا لعياش، ويعلم الله أنه كان موجوداً معنا في البيوت المعروفة للجهاز، ولكن الله هو الحامي”، على حد وصفه.
وتابع: “رغم الظروف الأمنية المعقدة والبحث المستمر والتشديد الكبير من الاحتلال وأجهزة السلطة لنا، إلا أننا كنا نتحرك كما نريد ووقتما نريد، وكان لنا داخل أجهزة السلطة عيون تساعدنا وتكشف لنا خططهم ونواياهم، فنأخذ حذرنا ونخرج من البيوت قبل اقتحامها بلحظات”.
السباحة “خاوة”
وذكر الأسير حسن سلامة، مواقف طريفة جمعته بالشهيد يحيى عياش، رغم الظروف المعقدة، فيقول: “كان الشهيد يحيى عياش يتنقل في خانيونس على دراجة هوائية كأي مواطن عادي ولا يعرفه أحد، رغم أنه هو المطلوب رقم واحد للاحتلال، وصوره مع كل عسكري وعند كل حاجز”.
وأضاف: “أذكر يوماً كنت أسير فيه مع الشهيد يحيى عياش والشهيد عدنان الغول، وكانوا قادمين من غزة لمقابلة أبو خالد الضيف، ووصلا بيتنا وجلسا وسلمت عليهم والدتي وهي لا تعرفهم، وشربنا الشاي، وخرجنا من داخل الشوارع الضيقة وسرنا لمقابلة أبو خالد الضيف في أحد البيوت”، مبيناً أن هذه المواقف تكررت.
وفي موقف آخر، يسرد سلامة: “أنه في ذات مرة كنا في بيت الشهيد عدنان الغول وخطر ببالنا الذهاب الى البحر في عز الظهر، فخرجنا وكان معنا عدد من المطاردين منهم أبو خالد الضيف وعدنان الغول ويحيى عياش، وغيرهم، وسبحنا في البحر ولم ينتبه لنا أحد رغم كل الملاحقة”، ويتابع: “وهذا تكرر معنا”.
الضفة في البال
ظل عام 1995 مليئاً بالمطاردة والأحداث في قطاع غزة، ورغم تتابع عمليات كتائب القسام في قطاع غزة، إلا أن الضفة المحتلة ظلّت حاضرة في ذهن المهندس عياش، إذ عمد في تلك الفترة على تدشين عمله واتصالاته مع مجموعات الضفة المحتلة، واستطاع الوصول الى مجموعة بنابلس، يرأسها أسير داخل سجون الاحتلال “حاليا”، والذي جاء الى غزة بهوية مزورة والتقى بعياش والمطاردين وتدرب ثم عاد للضفة ونفذ عدة عمليات.
كان عياش منغمساً بالعمل الجهادي، مُحبا له، حتى وصف سلامة ذلك بالقول: “العمل الجهادي شغل عياش عن أي عمل آخر، فهو دائم البحث والتفكير والابتكار لأي شيئ يخدم الجهاد ويطور العمل”، مبيناً أنه بخبرة الشهيد عياش في مجال الكهرباء استطاع أن يستخدم ساعات التوقيت للعبوات والعمليات بالتفجير عن بعد، وطور صناعة المتفجرات “الشعبية” وغيرها.
وأوضح أن الشهيد عياش شارك بجميع عمليات المقاومة في تلك الفترة، لكن إجراءات السلطة كانت تحول بينه وبين القيام بالمزيد من الأعمال الجهادية خاصة أن الاحتلال انسحب من داخل أحياء غزة، وتمركز في مواقعه التي أصبحت محمية من قوات الارتباط التابعة للسلطة، والوصول إليها من قبل المجاهدين كان يفرض حدوث اشتباك مع قوات السلطة.
ونتيجة لذلك، بالإضافة للتنسيق الكبير بين السلطة والاحتلال والملاحقة، أصبح المهندس عياش يُفكر بالرجوع الى الضفة لاستكمال العمل الجهادي هناك، “وقد تمت الموافقة على ذلك، وكنتُ أنا أكثر المطاردين استعداداً للخروج معه وأخبرته ومحمد الضيف بذلك، وكنت أستعد لهذا اليوم الذي أرافق فيه يحيى عياش بالضفة”، يقول سلامة.
وأضاف: “كان المهندس يحيى عياش يُفكر للعودة الى الضفة عبر الخطوط الفاصلة مع غزة، وكانت الحدود غاية في الصعوبة وعليها إجراءات أمنية مشددة ودوريات مستمرة، ولذا شرع المهندس برصد ومراقبة المنطقة والخروج إليها لدراسة الوضع وكان يخرج معه عدد من المطاردين، وكان لي الشرف بالخروج معه أكثر من مرة للمراقبة”.
وتابع: “استمرت مراقبة الحدود وإجراء التجارب بتحريك الأسلاك والاختباء ومعرفة ماذا يحدث لأكثر من شهر، وتم وضع خطة استخدام السلاسلم التي توضع فوق السياج كي لا نلمسه، وتم جلب عدد من قصّاصي الأثر لمحو الأثر بعد الدخول الى الضفة، وأصبحت الأمور جاهزة”.
يوم الفاجعة
بعد هذا الجهد الذي بذله عياش ورفاقه المطاردين، حدث ما لم يخطر على بال أحد، على الأقل في تلك الأيام، حيث عاد الشهيد يحيى عياش من الحدود بعد ساعات قضاها مع رفاقه في الجهاد، الى المنزل الذي قضى فيه نحبه، وعن الاستشهاد يقول رفيق الدرب والمطاردة “حسن سلامة”، والدموع تسابق حروفه.
“لا أستطيع وصف تلك اللحظات، اتصل بي أحد الإخوة يوم الخامس من يناير عام 1996، وكان مسؤول ملف خروج المهندس الى الضفة والعمل عند الحدود، وكان في ذاك اليوم في منطقة وسط قطاع غزة، وأخبرني حينها عن استشهاد العياش، ولأبلغ باقي الاخوة في خانيونس، ولكن لم أتلق الاتصال منه لخلل معين”، يقول سلامة.
وأضاف: “لكني علمت بخبر الاستشهاد بعد ساعات، وفوراً أبلغت أبو خالد الضيف والمطاردين في خانيونس، وتوجهنا لغزة، حيث المكان الذي نجتمع به، دخلنا البيت وإذا بمجموعة كبيرة من المطاردين يجلسون بشكل منفرد والجميع يبكي”.
وتابع: “منظر لا يمكن وصفه بكلمات، مشهد مهيب الجميع يبكي والشهيد المهندس مسجى بجسده الطاهر ومغطى بالدماء، وجميع المطاردين ممن عاشوا مع المهندس أصدقاؤه إخوانه ورفاق دربه وجهاده، غير مصدقين، مذهولين، كيف استشهد المهندس؟ وكيف سنسامح أنفسنا؟ وماذا سنقول لشعبنا وأمتنا؟”.
“عندما يبكي الرجال فاعلم أن الأمر جلل، وفعلاً لقد كان المصاب جللاً”، يقول حسن سلامة، وتابع: “الأمر غاية في الصعوبة، والجميع يشعر بالمسؤولية، الجميع يبكيك يا أبا البراء، وهم لا يعرفون هل يبكون عليك أم على أنفسهم.. أقول هذه الكلمات وكأن المشهد يحدث الآن، وما غاب عن بالي وسيبقى في ذاكرتي مهما مرت عليه السنون”.
ويكمل سلامة عن “يوم الفاجعة” كما وصفه: “وضعنا الشهيد يحيى عياش في السيارة، وبدأنا نتماسك، وخرج وفد منا من أجل إعلان الخبر، والذهاب الى قيادة السلطة للقاء ياسر عرفات والطلب منه إجراء جنازة رسمية وإبعاد أجهزة السلطة عنا، وفعلاً تمت الترتيبات وانشغل الجميع بأمور التشييع وكنا جميعا، المطاردين مع المشعيين، خرجنا معاً بعتدنا وعتادنا، حتى مواراة جثمانه في مقبرة الشهداء شمال غزة”.
وقد استشهد عياش بانفجار هاتف نقال استطاع جهاز الشاباك الإسرائيلي وضع قنبلة بداخله، والوصول للمهندس من دائرة الأشخاص الأقرب إليه، ليلقي ربه في صباح اليوم الجمعة 5 يناير 1996، بعد خمس سنوات من مطاردة الاحتلال له.
وأضاف سلامة: “لقد كانت جنازة عظيمة، خرج جميع أبناء فلسطين، الجميع يريد التأكد من حقيقة المهندس، الذي ملأت أخباره الآفاق، وأصبحت قصصه تروى وكأنها خيالات، وكنت جالسا بالسيارة التي تضم أمه وأبيه وزوجته، ورافقناهم حتى المقبرة، وبدأت التحضيرات للمهرجان الكبير، وانشغل الجميع بذلك”.
وتابع: “عدت يومها مع القائد محمد الضيف الى خانيونس، وذهبت الى منزل قيادي في الحركة ووضعته في التفاصيل، ثم عدت الى المنزل المتواجد فيه أبو خالد الضيف، ورفضت الذهاب الى مهرجان التشييع، وفضّلت البقاء مع الضيف حرصا عليه”.
عياش خطط “للثأر المقدس”
لم يمر على وضع جثمان الشهيد يحيى عياش في قبره سوى عدة ساعات، حتى بدأ التخطيط للثأر لدمائه، في الجلسة التي عقدت بين حسن سلامة ومحمد الضيف، ويصف سلامة تلك الجلسة بالقول: “بدأنا نتحدث معاً حول سرعة القيام بالعمل الذي بدأه المهندس، واتفقنا أن يبقى التخطيط لهذا العمل محصوراً في مجموعة ضيقة لا تتجاوز أبو خالد وأنا وأحد الإخوة بالغضافة ل لشهيد عدنان الغول”.
وأضاف: “يومها رجوت أبو خالد الضيف أن أكون أحد الاستشهاديين، فرفض، وبدأنا العمل فوراً وبسرعة واسخدمنا نفس الطريقة التي خطط لها الشهيد يحيى عياش للعودة الى الضفة، فكان بذلك هو من خطط لعمليات الثأر له دون أن يعلم”.
وتابع سلامة: “بتوفيق من الله استطعنا أن نخرج من المحنة ونتعالى على جراحنا وبدأنا بوضع خطط التنفيذ التي عملنا عليها ليلا ونهارا وبدون توقف، وبإمكانات بسيطة، وتم تكليفي بمسؤولية الخروج للضفة والقيام بهذا العمل، على أن تكون هذه البداية لتكوين نواة عمل المقاومة بالضفة”.
خرج سلامة الى الضفة المحتلة، وقبيل انطلاقه كان آخر لقاء جمعه بمحمد الضيف القائد العام لكتائب القسام، “لحق بي أبو خالد وأبلغني الكثير من الوصايا وقليل من المال، مبلغ لا يتجاوز 700$، وخرجت للضفة بناء على خطة كاملة”..
ويختم سلامة، قائد عمليات الثأر المقدس، “وفقنا الله بالقيام بأضخم عمليات استشهادية هزت الكيان الإسرائيلي، وهذا بفضل الله وصدق وإخلاص المهندس والقائمين على العمل”، وعقب هذه العمليات تعرضت حماس لأكبر عملية قمع واعتقال واجتثاث من الاحتلال والسلطة، لكنها باءت بالفشل.
وقد قاد سلامة تنفيذ ثلاث عمليات في عمق الكيان الإسرائيلي بعد مرور 40 يوماً على اغتيال الشهيد يحيى عياش، أدت العمليات الثلاثة في حصيلتها النهائية إلى مقتل 46 وإصابة العشرات بجراحات مختلفة، حسب إعلام الاحتلال.
ووفق ما أكدته إحصاءات رسمية اسرائيلية؛ فإن مجموع من قُتل من المستوطنين على يد “المهندس” وتلاميذه بلغ 76، وجرح ما يزيد عن أربعمائة آخرين، وقد قال الإعلام الإسرائيلي، “إن خطورة عياش لم تكن فقط في عدد القتلى الصهاينة فحسب، بل في عدد التلاميذ الذين دربهم وخلفهم وراءه”.
وفرض الاحتلال عقب العمليات الثلاث، طوقا عسكرياً وأمنياً بالضفة المحتلة وقطاع غزة، وتوصلت أجهزته الأمنية الى أن “حسن سلامة” هو من يقف خلف تنفيذ تلك العمليات، واعتقلته قوات الاحتلال في 17 مايو عام 1996، عقب نصبها حاجز عسكري مفاجئ في أحد شوارع الخليل.
وتمكن سلامة من الهرب من بين جنود الاحتلال في الحاجز، فأطلقوا نحوه النار ما أدى لإصابته ببطنه، واستمر في الهرب حتى أغمي عليه، ووقع على الأرض ولم تتمكن قوات الاحتلال من العثور عليه، الى أن قام أحمد المواطنين بنقل سلامة الى مشفى عاليا بالخليل، وتم إجراء عملية جراحية له، ثم اقتحمت قوات الاحتلال المشفى واعتقلت سلامة وحكمت عليه بـ 48 مؤبد. شهاب