مرايا – شارك جلالة الملك عبداالله الثاني، في جلسة حوارية اليوم الخميس، ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أدارها الإعلامي الأمريكي في شبكة “سي إن إن” (CNN (فريد زكريا، بحضور جلالة الملكة رانيا العبداالله وسمو الأمير الحسين بن عبداالله الثاني ولي العهد.

وفيما يلي النص الكامل للحوار: فريد زكريا: شكرا جزيلا جلالة الملك على هذا الحوار

فريد زكريا: جلالتكم رجل عسكري وتفهم الحرب جيداً. في اليمن، يبدو أن السعوديين خلقوا مشكلة أكبر من تلك التي يسعون لحلّها. فالجزء الأفقر من الشرق الأوسط يتم تدميره، وتنتشر المجاعة وتتفشى الكوليرا والتيفوئيد. ونحن نتحدث هنا عن دولة مجاورة للسعودية. ألم يخلقوا بذلك مشكلة تستمر جيلاً بأكمله؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: لطالما شكلت اليمن تاريخيا تحدياً لأي حملات عسكرية. وهناك دون شك تحديات في اليمن. القلق الذي نشعر به جميعاً، والذي عقد على إثره اجتماع في السعودية قبل يومين، هو كيف نتعامل مع الأزمة الإنسانية. وهو أمر ينبغي أن نتعامل معه بأكبر قدر ممكن من الحزم والسرعة، لأنه وكما قلت، إذا لم ننجز ذلك بالشكل الصحيح، فإن ذلك سيؤرق ضمائرنا لمدة طويلة.

وأعرف أنه قبل يومين، اتُخذ قرار في الرياض مع دول التحالف (العربي) لإرسال ما قيمته 5ر1 مليار دولار من المساعدات إلى اليمن. وأعتقد أن هذا يمثل البداية فحسب.

إن دول مجلس التعاون الخليجي تعمل على إيجاد حل سياسي لهذه الأزمة، وأعتقد أن علينا أن ندعم جهودها في هذا المسعى. ولكن كلما أسرعنا في الانتقال من ساحة القتال إلى ساحة الحوار السياسي والعمل لحل المشكلة، سيكون أفضل لنا جميعاً، باعتقادي.

فريد زكريا: خلال حملة الترشح للانتخابات الرئاسية، قال دونالد ترمب على شبكة CNN “أعتقد أن الإسلام يكرهنا”، قاصدا بذلك أن الإسلام يكره أمريكا. هل حاولت، خلال حواراتك مع الرئيس ترمب، أن تقنعه بعكس ذلك؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: بكل تأكيد، ولجميع الأمريكيين أيضا، سواء كنتُ في واشنطن في الكونغرس أو مع الإدارة الأمريكية، أعتقد أنه لربما هناك عدم إلمام بحقيقة الإسلام. الإسلام بني على مكارم الأخلاق التي تدعو إليها المسيحية واليهودية وغيرها من الأديان. إنه ليس دين كراهية. نحن المسلمون نؤمن بالسيد المسيح ونؤمن بمريم العذراء ونؤمن بالإنجيل والتوراة، وهذا ما نشأنا وتربّينا عليه جميعنا.

وسبق أن قلت أن تحيتنا كعرب ومسلمين، هي “السلام عليكم”، وهي أكثر جملة يكررها المرء صباح مساء. وهي تمثل جوهر الإسلام.

لدينا تحديات بسبب المشاكل التي خلقتها مجموعات هامشية (الخوارج). وكما قلت في السابق، لدينا حرب داخل الإسلام، وهي بمثابة حرب أهلية بيننا جميعاً من جهة وبين أولئك الذين لا يعتبروننا نحن المسلمين كفاراً فحسب، بل ويعتبرون المسيحيين واليهود وأتباع الأديان الأخرى كفاراً أيضاً ويجب قتلهم.

المشكلة التي تواجهنا الآن، والتي لا يوجد فهم كاف لها، هي أننا يجب أن نعمل سوية – مسلمون ومسيحيون وأتباع الأديان الأخرى – لمحاربة هذا البلاء (الخوارج)، وهو تحد طويل المدى، ولن يكون بالأمر الذي يسهل حله. إنها حرب عالمية ثالثة لكن بوسائل أخرى، كما قلت سابقا.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن التحدي لا يتمثل برأيي بخطر دخول الإرهابيين، فهذا الأمر لا يقلقني لأن برنامج الأمن المكرس لحماية الولايات المتحدة متين ومحكم.

ما لا نود حدوثه، في الولايات المتحدة وفي بلدي وأوروبا أيضاً، هو أن يشعر المسلمون بأنهم ضحايا ومعزولون. فهذا سيذكي لديهم الشعور بأنهم مكروهون من الجميع. إن مثل هذا الخطاب يقلقني لأنه يخلق تحديات داخلية أكبر للأمن.

في نهاية المطاف، جميعنا يريد حياة أفضل ومستقبل أفضل لأطفالنا وأحفادنا. إن الشعور بالعزلة، هو مكمن الخطر. والخطاب الذي يذكي ذلك لا يعود بالنفع على أي أحد.

فريد زكريا: ولكن جزءا من ذلك الخطاب ما زال يصدر عن دونالد ترمب. فكلما وقع هجوم إرهابي في أوروبا، يغرّد بشأنه. هل تشعر في لقاءاتك معه أنك استطعت أن تقنعه؟ هل تمت إثارة هذا الموضوع؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: لقد ناقشنا هذا الأمر. ومرة أخرى، لا تنسى أنه في حربنا العالمية ضد الإرهاب الدولي، فإن الولايات المتحدة الشريك الأكثر فعالية في العالم، ليس مع الأردن فحسب، وإنما مع أوروبا، والدول في إفريقيا وفي الشرق الأقصى. لذا فإنهم حلفاؤنا وعلاقتنا مع الولايات المتحدة هي علاقة مؤسسية. وأعتقد أننا جميعاً شركاء في هذا التحدّي العالمي.

وأعتقد أن التحدي الواجب النظر إليه هو: كيف نعالج الأمر وفق ما أدعوه النهج الشمولي؟ إن الأمر لا يقتصر على سوريا أو العراق أو ليبيا. لدينا تحديات في شرق إفريقيا، تتمثل في حركة الشباب وبوكو حرام. كما من المحتمل أن نشهد توترا في منطقة البلقان، إلا إذا قام الأوروبيون، إن جاز لي أن أقول ذلك، بالتركيز على الجنوب، فقد شكلت البلقان تاريخيا منطقة حرجة لأوروبا والعالم، وهو ما قد يصبح مشكلة محتملة بسبب التطرف. هناك أيضاً مشاكل في الفلبين وإندونيسيا، ونود معالجتها استباقيا. لذا فإن عمل هذا التحالف العالمي يتطلب أن نتمكن من أن نتعامل مع أكثر من تحد في ذات الوقت، وأن نتعامل مع هذا الأمر بنهج شمولي، ودون أن نعزل المجتمعات المسلمة بحيث يشعروا بأنهم ضحايا.

فريد زكريا: وأخيراً، دعني أسأل جلالتك، في دافوس هذا العام، هناك قدر معقول من التفاؤل حول العالم. الولايات المتحدة تنمو اقتصادياً. أوروبا تنمو. اليابان تنمو. والصين والهند وأمريكا اللاتينية. ويبقى الشرق الأوسط منطقة ليس فيها ذلك القدر من التفاؤل. هل أنت متفائل أم متشائم بشأن الشرق الأوسط؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: مرة أخرى، أعتقد أن الشرق الأوسط قد عبر مفترق طرق مهم للغاية قبل سنوات عديدة هو الربيع العربي، والذي انطلق على يد شباب أرادوا أن يروا تغييراً ديناميكياً في منطقتنا، ولكنّه لسوء الحظ اختطفته جماعات دينية ذات أجندة متطرفة. وأعتقد أننا ما زلنا نمر بمفترق الطرق هذا.

لقد قلت للأشقاء العرب قبل سنوات عديدة، إن دولاً كثيرة في الشرق الأوسط كانت دوماً تنظر إلى إفريقيا بسلبية. وكنت أقول لهم: إن الإفريقيين يتحدثون إلى بعضهم البعض. ولديهم علاقات تجارة بينية جيدة. وتحالفاتهم العسكرية تعمل معاً. ويحاربون الإرهاب معاً. وما أراه اليوم أن إفريقيا قد تقدّمت علينا في الشرق الأوسط. هل ذلك بسبب أننا ما زلنا نحاول أن نتغلب على تبعات الربيع العربي؟ ولكن علينا أن ننظم شؤوننا ونبدأ بالحديث إلى بعضنا البعض. وأعتقد أنه عندما تتحدث عن إفريقيا، التي نظرت إليها العديد من الدول العربية بسلبية، فإنهم يضربون لنا مثالاً حول كيفية التحرك في الاتجاه الصحيح.

فريد زكريا: يبدو أن الربيع العربي تحول سريعاً إلى شتاء عربي. فقد عدنا إلى حقبة الرجال الأقوياء والاستبداد. ولا يبدو أن ذلك الوعد قد نجح.

جلالة الملك عبدالله الثاني: إذا ما سمحت لي، أعتقد أن الربيع العربي، كما قلت، بدأه شباب سعوا نحو التغيير الذي يستحقونه. ثم تم اختطافه من قبل جماعات دينية والتي، برأيي، دعمها الغرب، ودعمتها وسائل إعلام غربية، بينما كنا نحن جميعاً الذين نعيش هناك (في المنطقة) نقول: يا إلهي! نحن نعرف تماماً كيف ستنتهي هذه القصة. وقد أوجد ذلك جميع حالات عدم الاستقرار التي تراها في العديد من الدول التي تحدثنا عنها. علينا أن نتغلب على ذلك.

ومرة أخرى، تتعرض منطقتنا لتغيير تاريخي كبير وما تزال هناك بعض المعارك التي علينا أن ننتصر فيها. وعندما أقول ذلك، فإنني أعتقد أن هناك دولا أخرى في الشرق الأوسط تتقارب مع بعضها البعض على أساس ثنائي، وتزدهر سوية. وهذه الدول ترى أن لديها نفس الأفكار، فتدعو للتقارب وبناء سياسات استراتيجية عربية أكثر تماسكا.

وأعتقد أن القومية العربية قد تراجعت مع الربيع العربي. ففي داخل دولنا بدأنا نقول: حسناً، أنا لدي هموم عربية ولكنني – في واقع الحال – أردني. وأنا أهتم بالقضايا الأردنية. أنا لبناني؛ وأنا أهتم بالقضايا اللبنانية. أنا مغربي…الخ. لذا، سيستغرق الأمر بعض الوقت إلى حين أن يتجاوز الجميع مشاعرهم الوطنية ويعودوا وينظروا، كما هو الحال في أوروبا، إلى الصورة الأكبر.

فريد زكريا: آراء مهمة جدا، جلالتكم، شكراً جزيلاً لكم.

جلالة الملك عبدالله الثاني: من دواعي سروري دائماً.