مرايا – في الوقت الذي تشتعل فيه منصات التواصل الاجتماعي بالأفكار والمشاهد والآراء والصور، ما زالت ظاهرة “الكتابة على الجدران” تلتصق على أسوار ومرافق عامة ومحيط مدارس وفضاءات ساحات مهجورة وأروقة حارات شعبية، وربما أي مكان ليس في الحسبان.
ويذهب مواطنون الى أن “السوشيال ميديا” لم تحد من هذه الظاهرة، إذ أن “لكل متتبع لها او للكتابة على الجدران اسبابه الخاصة والعامة”، داعين إلى الحد منها، كونها تشكل اسلوبا غير حضاري، يشوه صورة المكان والصورة البصرية وتتنافى مع العادات والتقاليد والموروث الأصيل.
ووفقا لمعنيين واختصاصيين في علمي الاجتماع والنفس فإن الكتابة عبر “السوشيال ميديا” لن تنهي عادة التعبير على الجدران، التي تعبر عن مكنونات وضغوطات، وربما سعيا لنشر فكرة أو معلومة للمارة على مدار الوقت وليس للأصدقاء المشتركين أو المفترضين عبر الإعلام الرقمي، معتبرين ذلك محاولة للهروب من الرقيب وربما من منظومة العقاب في اطار الجرائم الإلكترونية.
يقول التاجر هاشم فياض “منتهى الحضارة ان نرى رسومات هادفة ومتقنة، كأن توضع الى جانب الحاويات وعلى جنبات الطرق أو على لافتات بالأحراش، هدفها الحد من مخاطر السرعة والدعوة إلى النظافة العامة”، مشيرا إلى أن المتصفح عبر الإنترنت لمثل هذه الظاهرة يلحظ روائع الجداريات العالمية التي تعكس حضارة ورقيا.
في وقت يرى فيه حاتم البريحي “أعمال حرة”، أن الكتابة العشوائية على الجدران “ربما تعبر عن تخلف”، فيما يقول خالد كساب السرحان (موظف) “يبدو ان حرية التعبير ليست متاحة كما ينبغي على صفحات التواصل الاجتماعي”.
ويشارك الزميل وسام السعايدة برأيه قائلا “إن لجوء الشخص إلى هكذا تصرف ينم عن انفعالات مرتبطة بالبيئة المحيطة به والتي تعبر عن الضيق”، معتقدا ان ممارسيها ربما “يظنون أنها أسرع ضمن نطاقهم دون ان يعرف احد هويتهم لأسباب عديدة منها قانونية ومجتمعية”.
الناشط سامي الديب يرى في الظاهرة “مسألة ازعاج ليس إلا”، بيد ان الممرضة صفاء الجبالي تذهب الى “ان الفكرة تصل أسرع وهي طريقة اوفر وأنجع”، لكن للموظف مسعود عبد الهادي وجهة نظر فيما يخص تلك الظاهرة، إذ انها تشوه الاماكن العامة وهي “نوع من التمرد والرسائل المبطنة، وكتابة حرة ليست خاضعة للرقابة قبل النشر أو بعده قياساـ (بالفيسبوك) وغيره”.
وترى فيفيان حسان (موظفة) أن “آثار الكتابة على الجدران تنحصر في المنطقة المحيطة بها بينما “السوشيال ميديا” لا حدود لها لأنها تجوب العالم كله”، فيما يذهب محمد الطرودي إلى أن “فن الرسومات على الجدران قديم وحضاري ووصل إلى العواصم العالمية في محطات القطار والشوارع واستخدم كنوع من الدعاية والإعلان”، إلا أن سليم الدبيسي يعتبر أن هذه “الظاهرة تنم عن عدوانية مترسخة في النفوس منذ الصغر”.
ويقول استاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين إن معاني الكتابة على الجدران “تتجلى في أنها مكبوت نفسي، وتحمل مواقف مغايرة من قبل الافراد لما تتبناه المجاميع وتسعى إلى اظهار مكبوتاتها نحو فئة مستهدفة ومحددة جغرافيا، كأن تكون على جدران خارجية وساحات وابواب قد تكون مهجورة”، ولكن الأهم وفقا له سعي “كتاب الجدران” إذا صح التعبير، “ألا يقعوا تحت طائلة العقاب القانوني، أو الوصم الاجتماعي أي أن يتجنبوا اطلاق الاحكام المجتمعية جراء ما تحتويه كتاباتهم وخربشاتهم”.
ويؤكد محادين أن الكتابة على “السوشيال ميديا” اذا كانت منافية لما ورد في قانون الجرائم الإلكترونية فإنها “تصنفك حكما تحت طائلة هذا القانون، فيما قد يفلت الكاتب على الجدران من العقاب، إذ أن هويته لن تعرف مباشرة كما هو الحال في الإعلام الجديد”.
ويزيد، هذه المكبوتات “لا تجد مساحة من التسامح تمنح كاتبها أو مطلقها جرأة في التعبير عما في دواخله بطريقة مقبولة، لذا بقيت هذه الطريقة التقليدية منافسة لآخر ما توصلت اليه (السوشيال ميديا) وقد لا تنتهي لأنها مرتبطة ببواطن الافراد”.
ويوضح الدكتور محادين بالقول “ان حجم التجانس في المجتمعات البسيطة تشكل ضغطا قويا على حرية الافراد وان البناء الاجتماعي فيها صارم ما يدفع الأشخاص للتعبير على الجدران، فيما نرى في مناطق قوة ضاغطة من المجتمع للحفاظ على المظهر العام في ظل تطابق وتجانس مجتمعي الأمر الذي ينعكس على حماية المنطقة برمتها من العبث”.
ووفقا لاستشاري الطب النفسي الدكتور زهير الدباغ فإن الكتابة على الجدران ما زالت موجودة لأسباب عدة منها عدم قدرة الشخص على امتلاك وسيلة تكنولوجية للتعبير، أو عدم قدرته على الكتابة عليها حتى لو امتلكها خوفا من تداعيات ذلك اجتماعيا أو اخلاقيا أو قانونيا، ومنها ايضا أن البعض يستسهل ارسال رسائل قوية ضمن المحيط الذي يسكنه سواء أكانت رسائل تعبر عن المراهقة أو ذات صلة بالسياسة أو عن الواقع المعيش، كالشكوى من الفقر والبطالة والحرمان وغيره.
ويضيف، “من يتخذ من الجدران دفترا له يعاني من عدم القدرة على ضبط معاناته كما ان خياراته في الحياة ضيقة أو لا خيار لديه سوى الجدران ولا خيال عنده ليوظفه في ايصال رسالته بطرق اكثر حضارية كالحوار مثلا أو تقديم نفسه بطرق أكثر قبولا”.
استاذ علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي يرى أن متوسط الأصدقاء المشتركين على “الفيسبوك” مثلا وفقا لدراسة اعدها يبلغ 125 صديقا، أي أن المنشور يشاهده هذا العدد وربما اكثر بقليل، وفي المقابل “يطمح الكاتب على الجدران إلى أن يرى كل المارة ما يكتبه، بما في ذلك الفئة المستهدفة سواء أكانوا مسؤولين أو اقارب او جيرانا”.
الا أنه يعتقد أن “من يمارس هذه الخيارات ليس لديه معرفة ربما بـ (السوشيال ميديا) أو لعدم قدرته على اقتناء وسائل التواصل او مواكبتها ماليا، فيجد في (لون البخاخ) ضالته”.-(بترا- إخلاص القاضي)