مرايا – مع بدء موسم الربيع تنطلق في مختلف مناطق محافظة الكرك صناعة الجميد والسمن البلدي، والتي تعتبر من الصناعات التقليدية والتاريخية بالمحافظة، والتي تشتهر بجميدها العريق المصنوع من حليب الاغنام البلدية، والذي يعتبر من المكونات الاساسية للمنسف الأردني الأصيل.
ورغم أن صناعة الجميد والسمن البلدي أمر ضروري للعديد من الأسر الكركية، وخصوصا تلك التي تمتهن تربية المواشي وزراعة المحاصيل الحقلية، إلا أن حجم هذه الصناعة ما يزال غير معروف بشكل دقيق، بسبب السرية التي تلف هذه الصناعة بدءا من عدد المواشي والخراف وكميات الحليب المنتج وإلى كميات الجميد والسمن، التي ينتجها كل مزارع أو ممتهن لانتاج الجميد والسمن كما يحدث حاليا، فيما يقوم آلاف الأشخاص ممن لا يملكون المواشي بشراء الحليب وانتاج الجميد والسمن بشكل تجاري منه باعتباره مصدرا للدخل لهذه الأسر.
وبالعادة تبدأ هذه الصناعة مع بداية الربيع بعد أن يقوم مربو الماشية ببيع المواليد الجديدة من الخراف التي كبرت للاستفادة من حليب امهاتها لمدة 6 أشهر وهي مدة انتاج الحليب من المواشي.
وتوفر صناعة الجميد من خلال المعامل المنزلية الصغيرة أو المعامل الأكبر بالكرك، آلاف فرص العمل الموسمية، فيما تستفيد بشكل رئيسي من فرص العمل هذه السيدات والفتيات من المتعطلات عن العمل في مختلف القرى والبلدات بالمحافظة.
ويشير مدير زراعة الكرك المهندس مازن الضمور إلى أن حجم صناعة وتجارة الجميد والسمن البلدي بالكرك كبير، بيد انه أكد بأنه لا توجد احصائيات بشكل دقيق لها، لاسباب اجتماعية، ما يمنع معرفة كمية المنتج من هذه المادة الشهيرة على مستوى الوطن وخارجه.
وفي حين تؤكد مصادر مختلفة من منتجي الجميد أن حجم صناعة الجميد بالكرك يصل إلى زهاء 400 طن سنويا بالإضافة إلى كميات كبيرة من السمن وبحجم مالي يصل إلى زهاء 10 ملايين دينار سنويا، إلا أن تقديرات اخرى تشير أن حجم صناعة الجميد والسمن والجبن والمواشي تصل إلى 15 مليون دينار.
وبحسب رئيس جميعة مربي الماشية بالكرك زعل الكواليت فان زهاء 10 آلاف أسرة بمحافظة الكرك يعتمدون بشكل كامل على منتجات قطاع تربية المواشي، من بينهم أربعة آلاف أسرة يعملون حصرا في تربية المواشي وهي مهنتهم الوحيدة، في حين أن ستة آلاف أسرة اخرى تعمل حصرا بقطاع تصنيع منتجات الحليب من المواشي، وفي صناعة الجميد والسمن البلدي والجبنة البلدية، وهو قطاع اقتصادي حجمه يصل إلى ملايين الدنانير.
ويتوقع الكواليت أن كمية الحليب المنتج يوميا بمحافظة الكرك من المواشي الاغنام يصل إلى حوالي 40 طنا، فيما تأتي كميات اخرى للمحافظة من مربي المواشي بالبادية الجنوبية والوسطى الذين يبيعون انتاجهم بالكرك.
وأضاف أن هذه الكميات من الحليب تنتج سنويا حوالي 300 طن من الجميد وزهاء 150 طنا من السمن البلدي، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الجبن.
ويقول صاحب معمل لانتاج الجميد والسمن ببلدة ادر شرقي محافظة الكرك عماد بقاعين، إن المعمل الذي بدأ بالعمل قبل ثلاث سنوات يوفر 12 فرصة عمل لسيدات وفتيات من ابناء البلدة.
ولفت إلى أن المعمل يشتري الحليب من مربي الماشية بالكرك بكمية تصل إلى 1.5 طن يوميا، لافتا إلى أن هذه الكمية تنتج زهاء 150 كيلو غراما من الجميد البلدي ونصف ذلك من السمن البلدي.
وأشار إلى أن المعمل يوفر راتبا شهريا للسيدات من العاطلات عن العمل بمقدار 200 دينار شهريا، بالإضافة إلى المواصلات ووجبات الفطور والغداء.
ويؤكد البقاعين أن صناعة الجميد صناعة تقليدية بالكرك وتوفر دخلا لآلاف الأسر بالمحافظة، مؤكدا أن عملية صناعة الجميد تجري بوسائل حديثة حرصا على سلامة المنتج ونظافته وجودة الجميد الكركي.
وبين أن عملية صناعة الجميد والسمن البلدي اصبحت ارثا يتم المحافظة عليه بالكرك ونقله من جيل إلى جيل، معتبرا ان هذه الصناعة تتم احيانا داخل المنازل، وفي السنوات الماضية اصبحت تتم في معامل حديثة بسبب الطلب الكبير على الجميد الكركي.
وأشار إلى كافة المنتج يتم بيعه داخل المملكة وخارجها من خلال أسواق في الخليج العربي بسبب الطلب على الجميد والسمن.
وقالت العاملة بالمعمل راضية المحادين، وهي ربة منزل وخريجة من إحدى الجامعات بتخصص معلم مجال اجتماعيات منذ 16 عاما وبدون عمل، ان المعمل وفر لها فرصة عمل سنوية ولمدة ستة اشهر وبراتب معقول، مؤكدة ان هذه الفرصة من العمل ساهمت في توفير مصدر دخل مناسب لاسرتها.
في حين تقول منال المعايطة وهي طالبة جامعية انها تعمل بمعمل انتاج الجميد من خلال خبرتها التي تعرفها في صناعة الجميد الكركي، مشيرة إلى أن المعمل يوفر لها فرصة عمل مناسبة ولمدة ستة أشهر.
وتخضع عملية انتاج الجميد والسمن بالكرك إلى خطوات ومراحل يتم العناية بها بشكل دقيق، من خلال تحضير الحليب والقيام بعمليات البسترة وإلى فصل اللبن المخيض عن الزبدة، بواسطة ما يعرف ” بـ “الخضاضة ” ومن ثم غلي اللبن المخيض للحصول على الجميد الطري واجراء عملية كبس وعملية تكوير الجميد على شكلة المعروف وتعريضه للهواء ليجف.
وتؤكد السيدة ام معتصم من المزار الجنوبي، وهي إحدى السيدات التي تنتج الجميد والسمن داخل منزلها من خلال شراء الحليب من مربي الماشية، ان عملية انتاج الجميد والسمن بحاجة إلى حذر ودقة صارمة حرصا على سلامة المنتج وصحة المستهلكين.
وتقول إن مئات الأسر والسيدات ينتجن الجميد داخل المنازل، باعتباره عملا ثانويا يساهم في زيادة دخل الأسرة.
وبسبب زيادة واهتمام المواطنين بالكرك بعملية انتاج الجميد والسمن فقد دخلت العديد من المنظمات الدولية والمؤسسات المحلية، لتساهم في توفير المنح والقروض البسيطة للمساهمة في انتاج الجميد والسمن وخصوصا للسيدات العاطلات عن العمل.