“الصندوق” استخدم لغة خشنة وغير مسبوقة تجاه الحكومة
مرايا – شؤون اقتصادية – تبدو العلاقة شائكة، هذه الأيام، بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، بل هناك من يصفها بـ “المتوترة”. إلى هذه الدرجة!!.
بعض المصادر قالت، إن الحكومة لم تحدد بعد موقفها من حجم التمثيل في اجتماعات صندوق النقد الدولي، في الربيع 2018، وهو أمر بروتوكولي له دلالاته عند العارفين.
هذا الإجراء الحكومي سبقه مستجد مهم، وهو امتناع صندوق النقد الدولي عن تحديد موعد لإنهاء المراجعة الثانية للبرنامج؛ حيث لم تزر البعثة المملكة منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، وتكتفي بالتواصل من واشنطن دون تحقيق إجراءات تفضي لاختتام تلك المراجعة، رغم تنفيذ الحكومة حزمة من القرارات/ الإجراءات الاقتصادية، التي جرى انتقادها من قبل الصندوق لاحقا، ما عدّ بادرة نادرة من قبل الصندوق.
وفي هذا الإطار، يقول صندوق النقد الدولي، بحسب منشوره في كانون الثاني (يناير) “ليس لدى –الصندوق- تاريخ محدد حتى الآن. فقد وافق البرلمان على موازنة 2018 منذ أسابيع قليلة، ويقوم خبراء الصندوق حالياً بتقييم إجراءات المالية العامة التي ترتكز عليها، ومدى الحاجة لتعديل الافتراضات الاقتصادية الكلية، وكذلك مدى التقدم في الإصلاحات الأخرى المهمة لاستقرار الاقتصاد الكلي والنمو الاقتصادي قبل تحديد موعد لإيفاد بعثة المراجعة.”
جوهر الاختلاف المعلن من قبل صندوق النقد الدولي تجلى بعد القرارات/ الاجراءات الحكومية والتي انصبت على زيادة إيراداتها، من خلال إخضاع العديد من السلع لضريبة العامة للمبيعات، بالاضافة لرفع الدعم عن الخبز؛ حيث ظهر الصندوق بمظهر المعارض.
الصندوق حينها، نأى بنفسه عن هذا الإجراء الحكومي، متبرئا بالقول إنه: “لم يوص بما قررته الحكومة من رفع الدعم عن الخبز أو زيادة الضرائب على الأدوية”.
وبل أعلن الصندوق موقفا معارضا، لقرارات حكومية في الأردن أو غيرها، وهي لغة خشنة وغير معتادة من قبل الصندوق في بياناته، بقوله: “أعلنا معارضتنا لرفع الدعم عن الخبز. ونحن نرى أن السياسات والإصلاحات يجب ألا تكون عبئاً على شرائح المجتمع الفقيرة، وألا تتسبب في رفع سعر السلع الأولية الضرورية كالخبز والأدوية”.
علما بأن “النقد الدولي” يعلن، دوما وصراحة، عن عدم تدخله بإجراءات الدول، وعند ظهور خلافات أو تباينات بتنفيذ البرامج، فالخلافات والحوارات تكون خلف الغرف المغلقة وباجتماعات بين ممثلي السلطات في أي دولة وفنيي النقد الدولي، لكن تلك الممارسة من قبل الصندوق كانت مختلفة مع الحكومة وهي الاولى منذ العام 2012 مع الاردن منذ برنامجه الاول المتعلق بالاستعداد الائتماني على الاقل.
كذلك يأخذ “النقد الدولي” على الحكومة عدم إنجازها مشروع قانون ضريبة الدخل، الذي يعتبره الصندوق أمرا مهما ومتفقا عليه كجزء من البرنامج الإصلاحي، لكن بتحميل الأغنياء العبء بدلا من متوسطي ومحدودي الدخل، وهو الأمر الذي لم تنجزه الحكومة بعد.
هنا يقرأ المتابعون مفارقة تتمثل في ظهور الصندوق بمظهر المتعاطف مع الفقراء والحريص على دعم شبكة الأمان الإجتماعي، علما بأنه في تجربة شبيهة، وذلك أثناء تطبيق البرنامج الأول (2012-2015) أوقفت الحكومة الدعم النقدي، ولم يصدر، حينها، بيان عن الصندوق أو تتغير لهجته، بل استمر بالإشادة بكافة البرنامج وصولا لإنهائه.
الحكومة ما تزال، بحسب المصادر، تبحث خلال الاسابيع المقبلة عن مستوى التمثيل، والمصادر تقول أنه إذا كان هنالك انفراجة بين الحكومة والصندوق، فسيكون تمثيل الاولى في الإجتماعات على مستوى أعلى، لأن ذلك يعني بأن المشاورات ستنتهي ويختتم “النقد الدولي” مراجعته الثانية وبخلاف ذلك ربما ستبقى الأمور معلقة.
“النقد الدولي” ما يزال يصر على أن المملكة تحتاج إلى برامجه الاصلاحية؛ حيث يسهب بالشرح بوصفاته رغم فشل تلك الاجراءات برفع معدلات النمو الاقتصادي (2012-2018)، والتي هبطت بالنمو دون|
3 %، بالاضافة إلى وصول معدلات البطالة في المملكة الى 18.5 %.
وبالعودة لإصرار النقد الدولي على أهمية برامجه للمملكة يقول الصندوق:”على مدار السنوات القليلة الماضية، تمكن الأردن من الحفاظ على استقراره الاقتصادي بوجه عام، وإجراء إصلاحات كبيرة على صعيد السياسات رغم صعوبة البيئة الخارجية، واحتدام التوترات الاجتماعية/الاقتصادية، ومواطن الانكشاف الكبيرة للمخاطر، إلى جانب استضافة عدد كبير من اللاجئين السوريين”.
وأضاف: “وفي هذا السياق بالغ الصعوبة، تمكنت السلطات الأردنية – بدعم من اتفاق الاستعداد الائتماني الذي عقدته مع الصندوق وانتهت مدته في آب (أغسطس) 2015 – من تحقيق تقدم في قطاع الطاقة (وخاصة إلغاء دعم المحروقات لتحل محله التحويلات النقدية المباشرة للفقراء) ونجحت في إعادة بناء مستوى ملائم من الاحتياطيات لدى البنك المركزي”.
وبين النقد الدولي “لمعالجة هذه التحديات، اعتمدت السلطات برنامجاً جديداً متوسط الأجل لتحسين الظروف أمام نمو أكثر احتواءً لمختلف شرائح المجتمع. وعلى وجه التحديد، سيتم تنفيذ إصلاحات في عدة مجالات لتحسين التنافسية، وآفاق التوظيف، ولا سيما للنساء والشباب، وتعزيز العدالة والإنصاف والحوكمة الرشيدة. وسيدعم الصندوق السلطات الأردنية في سعيها لتنفيذ البرنامج. وسيساعد ما يقدمه من تمويل على الاحتفاظ بمستوى ملائم من الاحتياطيات الدولية، ودعم نظام سعر الصرف، وتوفير التمويل اللازم لاستيراد سلع كالمحروقات والمواد الغذائية، كما سيشجع المانحين الآخرين على تقديم القروض الميسرة والمنح. وبالنسبة للسياسات، سيقدم الصندوق ما لديه من خبرة في هذا المجال للمساعدة في تنفيذ رؤية الأردن 2025”.
النقد الدولي سبق وأن أوضح وجهة نظر صريحة بشأن مديونية المملكة والتي ارتفعت إبان تنفيذ برنامج الاستعداد الائتماني؛ حيث قال “الواقع أن تخفيض الدين العام من أهم أهداف البرنامج. وسوف تنخفض مديونية الأردن الكلية من نحو 94 % من إجمالي الناتج المحلي إلى مستوى أكثر أماناً يبلغ 77 % من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2021، كما سينخفض دين الأردن للصندوق. وسيتحقق ذلك من خلال إصلاحات لدعم النمو الاقتصادي وضبط أوضاع المالية العامة بالتدريج”.
وعلى الرغم من حداثة بيانات وتوقعات الصندوق إلا أن ذلك يبدو أمرا غير ممكن إلا في حال تحقيق المملكة معدلات نمو تفوق 7-8 % سنويا منذ هذا العام أو إجراءات سرية لا يكشف عنها الصندوق.
يذكر أن موازنة التمويل للحكومة المركزية يبلغ حجمها الإجمالي 5 مليار دينار، منها ما هو في حقيقته اقتراض جديد (523 مليون دينار) لتمويل عجز الموازنة، والبقية عبارة عن إطفاء وإعادة اقتراض. الغد