مرايا – شؤون عالمية – سلسلة ضغوطات كبيرة تمارس بحق المسيحيين، تصل في بعض الأحيان إلى درجة منعهم من أداء طقوسهم الدينية، فبات التراجع في أعداد المسيحيين داخل قطاع غزّة ظاهرةً جلية، وأصبحت الهجرة ملاذًا لهم.
في غرفة مخصّصة لاستقبال الوفود، جلس المطران ماريو دا سيلفا، لابسًا ثوبه الديني، وأمامه الصليب يبارك فيه زواره، حين التقى فيه مراسل “أمد” لإعداد حوارٍ عن أوضاع المسيحيين ومواقفهم جراء الأزمات التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
وتجدر الإشارة إلى أنّ اللاتيني دا سيلفا تنحدر أصوله من العاصمّة البرازيلية، وتولى رعاية كنيسة دير اللاتين التي تتبع لبطريركية القدس من الطائفة الكاثوليكية الممثلة بشخص بابا الفاتيكان فرانسيس عام 2015، خلفًا للأب جورج هرنا نديس.
وفيما يلي نص الحوار:
ما هي أوضاع المسيحيين في قطاع غزّة؟
هناك مشكلة حقيقة يعاني منها القطاع بأكمله، والمسيحيون جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني العام للكل الفلسطيني، وتكمن المعاناة في الضغوطات الكبيرة التي يعيشها القطاع، فانعدام الأمل بات واضحًا عند الشباب المسيحي، فلا توجد فرصة عمل تفتح لهم طاقة أمل.
اليوم يلجأ الشباب المسيحي إلى الهجرة من القطاع سواء للضفة الغربية أو أوروبا وخارج فلسطين، يبحثون من خلالها على الأمل المفقود في القطاع، هذه الهجرة تشكل اليوم خطرًا حقيقًا يحدق به، ويجب البحث في أسبابه وعلاجه حتى لا ينتهي الوجود المسيحي.
كيف أثّرت هذه الأوضاع على المسيحيين؟
بالطبع بالتناقص في العدد، كان عدد المسيحيين في القطاع قبل 15 عامًا يصل حوالي (3500- 4000 نسمة)، ونحن اليوم في 2018 تناقصت أعدادنا إلى 1000 وأقل.
ما هي خطواتكم للحفاظ على الوجود المسيحي في القطاع؟
نعمل جاهدين في الكنيسة اللاتينية وبمشاركة البعثة البابوية وطائفة البطريركية اللاتينية، على تقديم المساعدات للشباب المسيحي، من خلال افتتاح المشاريع التشغيلية، لتوفير فرص عمل لهم، تمكنّهم من البقاء في قطاع غزّة.
كما نبذل الكثير من الجهد للحفاظ على الوجود المسيحي، ونسعى دومًا لننبذ ثقافة الهجرة من غزّة، فنحن قلقون جدًا على الإرث المسيحي هنا، فمنذ الأزل والشعب الفلسطيني نسيجه مكون من المسيحيين والمسلمين، ولا يمكن تصوّر غزّة بدون مسيحيين.
ما أبرز أشكال معاناتكم في أداء طقوسكم الدينية؟
نعاني من الخروج لأداء الطقوس الدينية وكل عام هناك تراجع في أعداد التصاريح الصادرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، فقد تم إبلاغنا أن الكوتا لهذا العام 500 تصريح فقط، في حين أنّه يفترض أن تصل إلى 700، ولكن الاحتلال يتمادى دائما في فرض ضغوطات على الكل الفلسطيني دون تمييز.
وعادة هذه الكوتا ليست صحيحة، هي مجرد رقم، ولدينا مشكلة كبيرة تتمثل في إصدار الاحتلال تصاريح للأطفال دون إصدارها لعوائلهم، وهذا لا يمكنهم من الخروج، أو إصدار التصاريح لأشخاص متوفين، أو مسيحيين هاجروا من القطاع، وبذلك تكون نسبة التصاريح غير حقيقية عمَّا يعلن عنه، فهي تصاريح وهمية.
استكمالاً لسلسلة المضايقات، هل هناك صعوبة في التنقل؟
كل يوم نواجه مضايقات إسرائيلية خصوصًا عند السفر عبر معبر بيت حانون “ايرز”، حيث نتعرض للتفتيش الإجباري وتجريدنا من الملابس، وتفتيش الراهبات دون المراعاة لأي حقوق، بالإضافة لعدم السماح لنّا من السفر لأكثر من ثلاث مرات فقط في السنة.
هذا الأمر دون تمييز، حتى أنا احتجزوني لعدة ساعات وفتشوني وأمروا بتجريدي من الملابس.
الكنيسة ترفض ذلك، وتعتبره غير انساني مطلقًا، فهذا انتهاك واضح للإنسانية، ما دفعني لأجري اتصالاتٍ مع بابا الفاتيكان، وسفارة دولتي البرازيل، وشرحت لهمّ ما نتعرض له، ودعوتهم لإيقاف هذه القوانين المنتهكة لحقوق الإنسان.
ما هو الموقف المسيحي من القرار الأمريكي بشأن القدس؟
نحن في الطائفة الكاثوليكية نرفض ذلك القرار الجائر و أكدّنا أن القدس إرث مسيحي إسلامي، وعاصمة لدولة فلسطين للأبد، ودعا بابا الفاتيكان في الولايات المتحدة إلى ضرورة التراجع عن القرار الذي يعمل على زيادة توتر العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا ما شاهدناه في القطاع عقب الاعلان الرسمي عن ذلك.
كيف تنظرون إلى الأزمة التي تعصف بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”؟
نحن قلقون من التقلصات التي تطال كافة المؤسسات في وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، فهي تعطي مؤشرات غير مطمئنة، وتسير باتجاه الرفض الإجباري.
اليوم على أثر ذلك القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية يعاني أكثر من مليون نسمة في قطاع غزة، تقلصت الخدمات عنهم ومهددين بانقطاع المساعدات الإنسانة عنهم، إلى جانب توقف بعض المشاريع التي يعتاش من ورائها تلك الأسر.
هل هناك تحرك مسيحي للتخفيف من معاناة سكان قطاع غزّة؟
غزة عبارة عن سجن كبير، والكنيسة مهتمة بالمشاكل والصعوبات التي يعاني منها سكان القطاع، وخلال الشهرين الماضيين زار حوالي ثلاثين أسقفًا من البلدان الإفريقية وفرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة غزّة بدعوة من خلالنا، واطلَّعوا مجالسهم الأسقفية على نتائج الزيارة، وشددنا خلال لقاءنا بهم على ضرورة وجود حل عاجل وسريع لإنقاذ الوضع الكارثي.
ما هي دعوتكم للخروج من المأزق السياسي؟
نحن جزء من مكونات المجتمع الفلسطيني ومنخرطين في جميع مجالاته السياسية والاجتماعية، فالظروف الاقتصادية وتردي الأوضاع تشملنا سواء كنا مسيحيين أو مسلمين ولم تفرق بيننا.
وهنا أقول للفصائل الفلسطينية: “كفاكم انقسام، المشكلة الحقيقة مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي يجب توجيه الأنظار نحوه فقد حرفكم الانقسام عن ما هو مهم، والتي كانت أحد إفرازاتها ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب، والمطالبة بالهجرة.أمد