مرايا – شؤون سياسية – شهدت الأيام الأخيرة محاولات مشتركة من عمان والدوحة؛ لكسر حالة الجمود في علاقتهما، بعد نحو 10 شهور من إعلان الأردن خفض التمثيل الدبلوماسي مع قطر، على خلفية الأزمة التي تشهدها العلاقات بين الدوحة وكل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
الأردن، الذي حافظ طيلة الشهور الماضية على “شعرة معاوية” مع قطر بعث مؤخراً برسائل غير مباشرة تنم عن رغبة واضحة في إعادة العلاقات إلى سابق عهدها، كان آخرها مذكرة نيابية تطالب حكومة المملكة بإعادة سفير البلاد إلى قطر، وقبلها زيارة وفد اقتصادي أردني للدوحة.
محللون أردنيون اعتبروا بأن الأردن وقف في الأزمة الخليجية موقفاً “معتدلاً غير منحاز″ ، وبأنه في إطار هذا الحياد، لا بدّ من كسر حالة الجمود وعودة العلاقات إلى ما كانت عليه.
بوادر ذوبان الجليد
في يونيو/حزيران الماضي قررت الحكومة الأردنية تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع دولة قطر “بعد دراسة أسباب الأزمة التي تشهدها العلاقات بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين مع الدوحة”، إضافة إلى إلغاء ترخيص مكتب قناة “الجزيرة” في عمّان.
وتعصف بالخليج أزمة بدأت في 5 يونيو/حزيران الماضي، إثر قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وفرض الدول الأربعة حصاراً برياً وبحرياً وجوياً عليها بدعوى “دعمها للإرهاب”، وهو ما تنفيه الدوحة، وتتهم الرباعي بالسعي إلى “فرض الوصاية” على قرارها الوطني.
والثلاثاء 20 مارس/ آذار الجاري وقع 45 نائبا في مجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان) مذكرة نيابية تُطالب بعودة سفير بلادهم إلى الدوحة، بحسب النائب عقلة الغمار، مؤكداً أن “المذكرة تهدف لرأب الصدع مع الأشقاء على أن نبدأ ذلك بإعادة سفيرنا إلى الدوحة”.
وفي الحادي عشر من الشهر الجاري، استقبلت غرفة تجارة وصناعة قطر وفداً اقتصادياً أردنياً برئاسة رئيس غرفة تجارة الأردن ورئيس اتحاد الغرف العربية، نائل الكباريتي، وناقش الطرفان، السبل الكفيلة بتعزيز الاستثمارات المتبادلة، وإمكانية إقامة مشروعات مشتركة.
وبدأت محاولات الأردن كسر جمود العلاقات مع الدوحة، في 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما تهاتف الملك عبدالله الثاني مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة ال ثاني بشأن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة “عاصمة لاسرائيل”.
وفي 14 من نفس الشهر هنأ الملك الأمير تميم بالعيد الوطني لاستقلال بلاده (يحتفل به القطريون في 18 ديسمبر/كانون الأول من كل عام)، وقالت وكالة الأنباء الأردنية “بترا” حينها إن الملك عبد الله قدم “أحر التهاني باسم شعب المملكة وحكومتها متمنياً للأمير تميم موفور الصحة والعافية وللشعب القطري مزيدا من التقدم والازدهار”.
تقارب بطيء ومبشرات
القيادي الإسلامي والأمين العام لحزب المؤتمر الوطني ارحيل الغرايبة، قال: “العلاقة الأردنية القطرية شهدت توتراً وجموداً، وقد بُذلت جهود من كلا الطرفين لمحاولة تحسينها”.
وأضاف الغرايبة “العلاقة تسير باتجاه متصاعد ولكن ببطء ملحوظ.. الأردن وقف موقفاً معتدلاً ولم ينحاز لأحد في الأزمة الخليجية، لذلك نحن بحاجة لعودة العلاقات مع الدوحة”.
وتابع “المذكرة النيابية الأخيرة هي في الاتجاه الصحيح، مصالحنا الأردنية في قطر كبيرة، فهناك جالية أردنية كبيرة تعمل هناك (أكثر من 40 ألف أردني)، وأعتقد أن المرحلة القادمة تحمل المبشرات”.
نصف خطوة للخلف
خالد شنيكات أستاذ العلوم السياسية في جامعة البلقاء (حكومية)، اعتبر أن “علاقة الأردن الخارجية مع دول الخليج تتميز بالتوازن، فالأردن أخذ تقريباً نصف خطوة تمثلت بخفض التمثيل مع الدوحة، ولم يقم بنفس خطوة دول الخليج؛ من باب الوسطية في اتخاذ القرار، بحيث يُبقي الخطوط مفتوحة مع الجميع″.
واعتبر شنيكات أن الأردن أبقى الباب مفتوحاً لإمكانية لعب دور الوسيط في حل الأزمة بين قطر والدول الخليجية، معتمداً على علاقاته الاقتصادية الجيدة مع دول الخليج.
ومضى قائلاً “وبالتالي فإن هذا الجانب (الاقتصادي) عاملاً مهماً في سياسة الأردن الخارجية، فهو لا يصل حد القطيعة ولا يرغب به مع دول الخليج وقطر، لهذا فإن مصلحة الأردن بأن يعود الصف الخليجي موحد ويتجاوز مرحلة الانقسام”.
وبحسب دائرة الإحصاء العامة الأردنية (حكومية) بلغت التجارة الخارجية للمملكة مع دول مجلس التعاون الخليجي نحو 5.8 مليارات دولار خلال 2017، و سجلت قيمة الواردات السلعية الأردنية من دول الخليج نحو 3.957 مليار دولار، فيما وصلت الصادرات الكلية الأردنية لدول الخليج إلى 1.847 مليار دولار.
إلا أن شنيكات وهو محلل سياسي يرى أن “هناك أيضاً عوامل غير مرئية تعتمد على علاقة قطر مع دول إقليمية كإيران”.
ويخلص بناء على ذلك إلى أنه “من الصعب أن يعود الأردن لقطر كي لا يضحي بعلاقته مع دول الخليج”، معتبراً أن علاقة عمان بالدوحة تعتمد في هذا الصدد على “تمسك قطر بالمصالح الخليجية والتزامها بالصف الخليجي، مما يسهل عودة علاقتها بالأردن، بالإضافة إلى علاقة الدوحة مع واشنطن في هذا الصدد”.
“الشعوب تواقة”
من جهته، قال رائد الخزاعلة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني، إن “مصلحتنا تكمن في أن تعود العلاقات مع كل الأشقاء العرب، نحن كشعوب تواقون لأن يكون هناك علاقات بكافة الأقطار”.
ومضى البرلماني الأردني “نحن مع الانفراج في العلاقات ومع فتح القنوات وإعادة التمثيل إلى مستواه مع قطر وغيرها، بأن نكون لاعبين رئيسيين في رأب الصدع مع الأشقاء العرب”.
ودعا الخزاعلة حكومة بلاده لإعادة حساباتها وبأن تكون جزءاً من المصالحة، معتبراً أن “الأمة الآن في أضعف أحوالها، وإن لم تتحد الآن فالكل خاسر وليس هناك رابح”.
فيما رفض الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، التعليق على الموضوع. (الأناضول)