مرايا – أطلقت أربع وزارات ومديرية الأمن العام أمس الأربعاء خطة وطنية متعددة القطاعات للحد من العنف الجسدي الواقع على الأطفال، وتقليصه بنسبة 50 % خلال ثلاثة أعوام.
وتزامن اطلاق الخطة مع تأكيدات وزراء التنمية الاجتماعية، والتربية والتعليم والصحة والأوقاف ومدير الأمن العام خلال اللقاء الذي نظمه المجلس الوطني لشؤون الاسرة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” على “ضرورة إنهاء العنف الواقع على الاطفال باعتباره سلوكا مرفوضا بكافة أشكاله”، مقرين في الوقت ذاته بـ “تفشي هذه المشكلة نتيجة للفجوات في برامج الحماية ولغياب النهج التشاركي في العمل بين الوزارات المؤسسات المعنية بالطفولة”.
وبحسب تقرير حالة السكان الاخير للعام 2012 فإن 89 % من الأطفال في الأردن يتعرضون للعقاب البدني، ونحو 20 % للعقاب البدني الشديد، فيما يعمل المجلس الوطني لشؤون الأسرة على إعداد تقرير محدث عن حالة الطفل في الأردن يخصص جزء منه لقضية العنف.
وتهدف الخطة لتغيير السلوك والنمط المجتمعي العنفي ضد الاطفال استكمالا للجهود التي بذلت سابقا والإنجازات التي تم تحقيقها مؤخرا في التصدي لهذه الظاهرة في المملكة، وتتناول قضية العنف على الأطفال في سياقات متعددة، سواء في المنزل أو مكان العمل أو في المدارس أو الحي، أو من ولي الأمر أو مقدم الرعاية أو المعلم أو أحد الأقران.
وقالت وزيرة التنمية الاجتماعية هالة بسيسو لطوف إن القضاء على العنف ضد الأطفال يشكل أولوية تتطلب تكاتف جهود الجهات المعنية واتباع المنهج العلمي في تشخيص العنف ضد الأطفال وتقييمه والتدخلات اللازمة”.
وأضافت، “المطلوب ليس فقط العمل على التدخلات والبرامج العلاجية، بل التركيز على البرامج الوقائية ورفع جودة الخدمات المقدمة في مجال التوعية بالتربية الوالدية الايجابية”، لافتة الى أن لمراكز تنمية المجتمعات دورا يمكن أن تلعبه.
من جهته اعتبر وزير التربية والتعليم عمر الرزاز العنف “تحديا تواجهه المدارس الحكومية والخاصة، وتعمل الوزارة بالتعاون مع الشركاء المعنيين على تنفيذ خطة عمل متكاملة تتضمن برامج بنائية ووقائية وعلاجية لحماية الطلبة، والحد منه”، مضيفا “قد نكون جزءا من المشكلة، لن نخفي الواقع، والاعتراف بالخطأ فضيلة لكننا نسعى لجعل المدرسة جزءأ من الحل”.
وأشار الى أن “في الوزارة 2000 مرشد فقط، مقابل 3800 مدرسة، ما يعني أن نحو نصف المدارس بلا مرشدين، كما ان المرشدين ليسوا جميعا على نفس السوية من الكفاءة”.
وكشف الرزاز “عن أن التركيز في الاعوام الماضية على التحصيل الاكاديمي من خلال زيادة الكتب وعدد الحصص الدراسية على حساب حصص النشاط والرياضة والفن، تسبب بضغوط على الطلبة والمعلمين، وأصبح الطالب غير قادر على تفريغ طاقاته”، مشيرا الى أنه “بدءا من العام المقبل سيتم تفعيل حصص النشاط، وسيكون مطلوبا من الطلبة تقديم 20 ساعة خدمة مجتمع، لتكون وسيلة لتفريغ طاقاتهم وتعليمهم العمل بروح الفريق”.
من جانبه أقر وزير الصحة محمود الشياب بـ “إحجام الكوادر الطبية والتمريضية عن التبليغ عن حالات العنف الاسري الواقعة ضد الاطفال”، عازيا ذلك الى “خوف مقدمي الخدمات الطبية من الوقوع في مواجهات مع الاهالي”.
وأضاف، “نعمل حاليا على تدريب الكوادر الطبية ومقدمي الخدمات على التعامل مع حالات العنف ورفع الوعي بأن الإحجام عن التبليغ يترتب عليه مسؤولية قانونية”.
وأكد أنه سيتم تعميم عيادات حماية الاسرة المنتشرة في المستشفيات الحكومية والتي وصل عددها اليوم الى 32 عيادة على المراكز الشاملة، ومخاطبة المستشفيات الخاصة بتفعيلها، بموازاة تشكيل لجنة لمتابعة حالات العنف، وتقديم تقارير دورية بها.
وشدد على “الزيادة المطردة في أعداد حالات العنف الجسدي والعاطفي والجنسي ضد الأطفال يدعو للإحباط، لكن في المقابل فإن هذا يدعو لزيادة الوعي بأهمية التبليغ عن هذه الحالات والحصول على أرقام أكثر دقة”، مشيرا الى”البدء بعملية رصد وأتمتة حالات العنف الاسري وتعميمها على كافة المستشفيات خاصة وأن كثيرا من حالات العنف هذه لها آثار مستقبلية خطيرة حيث تترك ندوبا عقلية ونفسية قد لا تختفي كما تختفي الجروح”.
وأضاف، ان العقاب البدني “يعيق نمو الطفل، وقدراته على التعلم، وأداءه الأكاديمي، ويدفع إلى تراجع احترام الذات لدى الطفل والشعور بالتوتر النفسي والاكتئاب، وفي بعض الأحيان يؤدي بالطفل إلى المخاطرة وإيذاء النفس والسلوكات العدائية”.
من جهته شدد وزير الأوقاف عبدالناصر أبو البصل على أهمية دور العلماء والدعاة في مواجهة العنف الواقع على الأطفال، مشيرا الى أن وزارته تعمل على تضمين خططها وبرامجها عددا من الفعاليات لتعميق فهم مشترك وواعٍ بين أبناء المجتمع لإدانة العنف ضد الأطفال، ونشر رسائل تستند على النصوص الشرعية والقيم الدينية والمجتمعية حول الرعاية الوالدية والممارسات التربوية والتعليمية الفاعلة التي يحث عليها الإسلام. من جانبه اكد مدير الامن العام اللواء فاضل الحمود التزام المديرية بإدخال تحسينات على منظومة العمل للحد من العنف الجسدي الواقع على الأطفال، وستعمل من خلال إدارة حماية الأسرة على التوسع جغرافيا في جميع محافظات المملكة من خلال تطوير الخدمة وافتتاح أقسام جديدة لضمان تقديم أفضل الخدمات للأسرة ومن ضمنها الطفل.
وأكد ان “الطريق لا يزال طويلا لتحقيق أهدافنا، ونأمل من خلال النهج التشاركي وتفعيل الاطار الوطني لحماية الاسرة من العنف من تحقيق هدفنا في حماية الاطفال من العنف”.
من جانبه اكد مدير ادارة حماية الاسرة فخري القطارنة “اعتماد الادارة مبدأ الشراكة مع الجهات المعنية في التعامل مع حالات العنف الاسري، سواء التنمية الاجتماعية او الطب الشرعي أو مؤسسات المجتمع المدني”، مشيرا الى أنه ومن خلال “إجراء مراجعة دورية لادائنا في الفترة الاخيرة تبين أن هناك خللا ولم تكن الشراكة بالمستوى المطلوب”.
من جانبه قال الامين العام بالوكالة للمجلس الوطني لشؤون الأسرة محمد مقدادي إن المجلس يسعى لإصدار تقارير دورية لعمل الفريق الوطني لحماية الاسرة من العنف، ومأسسة نظام التتبع الالكتروني لحالات العنف، والانتهاء من إعداد مسودة قانون الطفل.
بدوره دعا الرئيس التنفيذي لشركة زين أحمد الهنانده “المواطنين والشركات الى القيام بدورههم واتخاذ إجراءات لإنهاء العنف الجسدي الواقع على الأطفال لضمان الفرصة لكافة الأطفال ليعيشوا حياة سعيدة وهادفة”.
من جهته أكد ممثل “اليونيسف” في الاردن روبرت جنكنز، سعي المنظمة للعمل مع الشركاء للحد من العنف الواقع على الأطفال، وقال “تعد هذه الخطة الوطنية انجازا كبيرا للحكومة الأردنية ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام والقطاع الخاص”.
وقدمت مسؤولة برامج حماية الطفل في “اليونيسف” مها الحمصي عرضا عن حالة الطفل في الاردن، مبينة أن “الأرقام تظهر انتشارا كبيرا للعنف ضد الاطفال”. وأشارت إلى تقرير حالة السكان الاخير للعام 2012 والذي أظهر أن “9 من كل 10 اطفال يتعرضون للعقاب البدني، فيما تصل نسبة الاطفال الذين يتعرضون للعف البدني الشديد 20 %”، واصفة هذه الارقام بـ “الخطيرة”، وتستدعي بالضرورة اعادة النظر بخدمات الوقاية والاستجابة لحالات العنف.
واعتبرت الحمصي أن “الخدمات المتاحة في مجال الوقاية محدودة بل هي متدنية الجودة في بعض الاحيان”، معبرة عن أملها في أن تسهم الخطة في تعزيز نهج العمل التشاركي وتحقيق هدف الحد من العنف الجسدي ضد الأطفال.