مرايا – شؤون محلية – وجه حمادة فراعنة، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، رسالة مفتوحة الى رئيس المجلس أبو الأديب الزعنون، متساءلا عن أسباب شطب عضويته التي بدأت عام 1984، ولجأ فراعنة، الكاتب السياسي، الى مواد القانون الأساسي التي تكشف أن شطب العضوية لا أساس قانوني له، بل هو فعل إنتقامي وسياسي غير مسبوق في الساحة الفلسطينية..
وتطرق فراعنة في رسالته المطولة الى ما كان في المجلس الوطني بدورته 17 – أ التي عقدت في عمان 1984، عندما حاول القائد العام الخالد ياسر عرفات شطب عضوية أحمد جبريل وبعض الشخصيات التي شاركت في حملة عسكرية ضد المخيمات، لكنه فشل بقوة القانون، والذي شكل الحامي الأساسي لمنظمة التحرير ووحدتها، على غير ما قامت به القيادة الراهنة من حركة تصفيات لمئات من أعضاء الوطني..
النص الكامل لرسالة فراعنة، كم أرسلها لـ”أمد للإعلام”:
الاخ سليم الزعنون (ابو الاديب) حفظه الله
رئيس المجلس الوطني الفلسطيني
تحية واحتراماً وبعد
بمشاعر من الالم والأسى والغضب والاستهجان، الذي لن يخرجني عن ادب الحوار ابداً، ولن يقلل من واجب التقدير وتقديم الاحترام، اوجه اليكم هذه الرسالة فوق الشخصية، وانتم تستعدون لاستقبال الضيوف، وتمحيص اسماء الاعضاء، والتهيؤ لعقد دورة اجتماع المجلس الوطني الذي طال انتظاره اكثر مما ينبغي، آملاً ان يتسنى لكم الوقت لقراءتها في الوقت المناسب، وتعميمها ان امكن على الاعضاء، مطالباً في الوقت ذاته اعتبار رسالتي هذه احدى وثائق مجلسكم الكريم .
اطالبكم ايها الاخ الرئيس إعطاء هذه الرسالة ما تستحقه من عناية، كونها تتضمن وجهة نظر عضو اصيل لدى المؤسسة التشريعية الفلسطينية الأم والاولى في النظام السياسي الفلسطيني ، وصاحب رأي ظل مسموعاً من على كل المنابر المتاحة، لم ينفك يوماً في الدفاع عن رؤيته المستقلة بالكلمة والموقف، والتمسك بها تحت اقسى الظروف، على مدى نحو خمسة وثلاثين عاماً حافلاً بالمواقف المشهودة، بل وعلى مدى عمر كامل، عشته كفلسطيني لاجئ مقاتلاً في صفوف الثورة، ومناضلاً بكل اشكال النضال المتاحة.
حين تم الاعلان عن موعد عقد المجلس الوطني، قبل أكثر من شهر، حسمت مسألة المشاركة بيني وبين نفسي بعد تردد قصير، وقررت الحضور عن قناعة ووعي تامين، رغم ما لدي من تحفظات على طريقة عقد هذه الدورة، وما يحيط بها من ملابسات زمانية ومكانية وتنظيمية وسياسية، حيث استقرت في ضميري الوطني ضرورة تجاوز الاختلافات المشروعة، والترفع عن الاعتبارات الجزئية، وفوق ذلك تغليب كل ما هو رئيس على بعض ما هو ثانوي، وذلك على العكس مما جاءت عليه مواقف اخوة ورفاق احترمهم واقدّر آرائهم، ولكنني لا اشاركهم اعتباراتهم فيما يخص مقاطعة دورة انعقاد هذا المجلس ، وأن العمل والتصويب يجب أن يتم من داخل المجلس وليس من خارجه ، مشروطاً بالإحتكام للنظام الداخلي للمجلس والإلتزام بالنصاب القانوني مع النصاب السياسي المتبع وفق التقاليد والأعراف الفلسطينية المتراكمة .
كان موقفي المبدئي هذا نابعاً من تقدير موقف دقيق، ادخلت فيه كل المعطيات الذاتية والموضوعية ، مؤسساً على وعي وادراك عميقين، لكل ما يكتنف هذه اللحظة الفلسطينية الحرجة من مخاطر لا تُخطئها العين، وما يحدق بشعبنا وقضيتنا الوطنية من تحديات لا حصر لها، تقتضي الاستجابة لها من جانب كل الوطنيين الفلسطينيين، وفي طليعتها الحفاظ على المجلس الوطني، باعتباره عامود الوسط في الخيمة التمثيلية الجامعة لكل الوان الطيف السياسي، وقاعدة الشرعية الفلسطينية المتحققة بالدماء والدموع والعذابات.
على خلفية هذا الفهم، وايماناً مني بضرورة عقد المجلس الوطني اليوم قبل الغد، رأيت انه ينبغي علينا الترفع عن الصغائر، والتسامي عن الجراح الشخصية، والارتفاع الى مستوى الآمال المعقودة على اعادة تجديد اهلية هذه المؤسسة الاطارية الشاملة، وضخ المزيد من الدماء الشابة في عروق ومكونات وهياكل البيت السياسي الفلسطيني الاول هذا، الذي شكل احد اهم روافع بعث الهوية الوطنية من العدم، واعاد تفعيل الحضور السياسي لشعبنا في مختلف المؤسسات والمنتديات الدولية، بما فيها الامم المتحدة ، والمنتديات البرلمانية الدولية .
كنت وانا اغالب تحفظاتي، واجتاز عتبة ترددي، ارى كل ما يتربص بعقد هذه الدورة من محاولات آثمة لتبهيت الصورة الفلسطينية، وإضعاف هذه المؤسسة التمثيلية الكبيرة، حتى لا اقول تقويضها بالكامل، وشطبها لصالح قوى واطراف لديها اهداف واجندات خاصة، الامر الذي حفزني على اسقاط ما لدي من اعتراضات موضوعية، ليس محل مناقشتها الآن، ومن ثمة التوجه بقلبي وعقلي نحو حضور جلسة المجلس في رام الله، لترجيح النصاب ما امكن، ومشاركة الاخوة والرفاق الاعضاء في اغناء الحوارات، وتصويب المسارات، واتخاذ القرارات الموضوعة على جدول الاعمال، بما في ذلك انتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ولكن على حين غرة، حُرم عدد من الأعضاء بما فيهم أعضاء لدى اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي ، وأنا معهم لسب اجهل كنهه، ولا استطيع فهمه او تقبله، او التسامح معه، أياً كانت الذرائع والحجج والتبريرات، لا سيما وان عضويتي في المجلس الوطني ، عضوية اصيلة وقائمة ومتواصلة دون انقطاع، منذ العام 1984، الامر الذي يدعوني لمسائلتكم علناً، وعلى رؤوس الاشهاد، عن من يقف وراء اقصائي على هذا النحو، واسقاط عضوية لا تسقط الا بتهمة غير مبررة للأعضاء الاحياء ، خاصة وأننا جميعاً علينا واجب وضرورة الإحتكام للائحة الداخلية التي تحكم وتوجه عمل المجلس الوطني الفلسطيني ، فالباب الثامن من اللائحة الداخلية للمجلس والمعنونة بـ : ” إسقاط العضوية ” تنص حرفيا على ما يلي :
المادة 73 – ينظر المجلس في إسقاط العضوية في الحالات الأتية :
أ – إذا تغيب العضو عن ثلاث جلسات متتالية دون إذن المجلس أو دون عذر مقبول .
ب – إذا عمل مع حكومة أو مؤسسة أو دولة أجنبية غير عربية مما يبعث الشك في استقامته الوطنية .
جـ – إذا أتى عملاً مخالفاً لميثاق المنظمة الأساسي .
المادة 74 – يقدم إقتراح إسقاط العضوية للرئيس خطياً وموقعاً عليه من خُمس أعضاء المجلس على الأقل وعلى الرئيس أن يخطر به العضو وأن يعرضه على المجلس في أول جلسة .
المادة 75 – يحيل المجلس اقتراح اسقاط العضوية على لجنة لبحثه وتقدم اللجنة تقريرها خلال يومين على الأكثر .
المادة 76 – يناقش المجلس تقرير اللجنة في جلسة واحدة وللعضو المقترح إسقاط عُضويته حضور الجلسة والإشتراك في المناقشة على أن يُغادر الجلسة عند أخذ الأصوات .
المادة 77 – يؤخد الرأي في إسقاط العضوية بطريقة المناداة بالإسم ويصدر قرار اسقاط العضوية بأغلبية ثلثي الأعضاء .
المادة 78 – تسقط العضوية بالوفاة أو بالإستقالة إذا وافق عليها المجلس بأغلبية أعضائه المطلقة .
ومن هذا كله لم يتم ، مع أهمية التذكير ، مقارنة مع الإلتزام بالنظام فشل فريق من المجلس إسقاط عضوية بعض أعضائه عام 1984 على خلفية الانشقاق وحرب المخيمات أنذاك ، وإلتزام الراحل أبو عمار بقرارات المجلس وبنظامه الداخلي .
ذلك ان رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، المؤتمن على تطبيق الاحكام وانفاذ النظام العام، وضبط العضوية وتحقيق النصاب، والمنوط به حصراً توجيه الدعوات حسب الاصول، وبالتالي حماية هذه المؤسسة التشريعية من كل تلاعب محتمل او تدخل من جانب السلطة التنفيذية، كان عليه ان يقف بحزم ضد مثل هذا التجاوز على القانون، والحؤول دون شيوع ثقافة التهميش والاقصاء، ان لم نقل حماية الحق في الاختلاف المشروع، وضمان حق الأقلية في التعبير عن نفسها ضمن النظام السياسي ( وهو امر صحي دون ريب، ودليل عافية سياسية معمول به في ارقى الديموقراطيات)، ناهيك عن الدفاع عن التعددية السياسية والفكرية في مواجهة التغول والاستبداد، فضلاً عن صيانة الحق في الاختلاف، والحرص على عدم المس بقواعد اللعبة الديموقراطية تحت اي ظرف من الظروف ، لا أن يتغول إتجاه أو شخص مهما بدا موقعه على المؤسسة الفلسطينية ويقودها بأحادية مفرطة .
كان لي ولغيري تجرع هذه المرارة قطرة اثر قطرة ازاء فظاظة هذا الفعل الانتقامي المرفوض بالمطلق، وان اغض الطرف عن حجب الدعوة عني هكذا دون شرح وتعليل، بل وتمرير حرماني من حق الحضور والمشاركة في اعمال دورة المجلس الاعتيادية، من غير جدال واثارة للرأي العام، لو ان المسألة كانت محض فردية، مقتصرة عليّ وحدي، وتخصني انا على نحو شخصي.
الا انني علمت على الفور ان في الامر قصاصاً سياسياً لا سابق له، وجوراً لم تشهد التقاليد السياسية الفلسطينية مثيلاً له من قبل، ولم يُعمل به حتى في ظل ظروف الانشقاق الشهير عام 1984 كما أسلفت ، ولكننا اليوم نشهد قصاصاً طال مع الأسف كثيراً من الاعضاء الآخرين، ممن لديهم وجهات نظر سياسية مختلفة، واجتهادات ورؤى مغايرة، عما هو سائد في المجال المركزي الفلسطيني العام، احسب انها اجتهادات تعبر عن مواقف يمكن توظيفها في تعزيز الموقف الوطني المقاوم، ورفع سقف المطالب السياسية العادلة في مواجهة الضغوط، وتصعيد وتائر الاشتباك السياسي مع العدو، وذلك اذا تم التعاطي مع هذه الاجتهادات بأريحية، واحتواء هذه المواقف بذهنية قيادية منفتحة، وربما استيعابها في مرحلة ما.
وعليه، فنحن اليوم امام سابقة غير مسبوقة في الحياة السياسية الفلسطينية منذ قيام منظمة التحرير، سابقة من شأنها ان ترتد بأسوأ العواقب على الحالة الداخلية المأزومة اصلاً، وان تفضي الى عكس ما هو مأمولاً من نتائج كانت مرجوة، جاءت دورة المجلس لتحقيقها في المدى المنظور، وقد تفتح الطريق اوسع من ذي قبل امام محاولات ذميمة، جرت وتجري الى الآن، سراً وعلانية، لتكوين جسم تمثيلي موازٍ، وخلق بديل مزوّر لمنظمة التحرير الفلسطينية، وضرب وحدانية تمثيلها الحصري المعترف به على اوسع نطاق.
وليس من شك في ان مثل هذه المحاولات من شأنها ان تقدم خدمة مجانية لأعداء الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتهم كيان المشروع الإستعماري التوسعي الاسرائيلي، الامر الذي يحمل كل ذي حس سياسي سليم على التساؤل عن وجاهة مثل هذا التفكير الاحادي القاصر عن رؤية كل هذه المخاطر المحدقة بنا من كل الاتجاهات، وعن مدى صواب مثل هذه العقلية التي تتولى زمام هذه المرحلة، المفتوحة على اشد الاحتمالات خطورة، بما في ذلك مخاطر قد تحوّل الانقسام المديد الى حالة من الانفصال بين جزئيّ الوطن، وتهدد بتقويض المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، الذي يستحق منا رص الصفوف، وتوسيع قاعدة المشاركة، واحتواء المعارضين على هذا النحو او ذاك، واجراء ما ينبغي اجراؤه من توافقات حول البرنامج الوطني الاستقلالي، وفي القلب منه هدف تحقيق دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس ، وعودة اللاجئين إلى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948 ، وإستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها تنفيذاً لقرار الأمم المتحدة 194 .
واذ اوجه هذه الرسالة اليكم يا ابا الأديب، بصفتكم رئيساً للمجلس الوطني العتيد، ومناضلاً كبيراً يعتز الفلسطينيون بحكمته وسعة صدره ورصانة رأيه، فإنني اعرب لكم عن دهشتي الشديدة، حد عدم تصديق كل هذا الخروج الشائن على الاعراف المستقرة في الوجدان الفلسطيني، وكل هذا التجبر والتعسف والضيق بالرأي الآخر، في زمن نحن احوج ما نكون فيه الى التكاتف والتعاضد والحدة، في مواجهة جبهة واسعة ، يقف في طليعتها العدو الإسرائيلي المتفوق .
ومع رفضي الكامل لما وقع لي، ولغيري من اعضاء المجلس، من ظلم لا يمكن تبريره بأي صورة من الصور، فإنني سأكظم الغيظ ما استطعت الى ذلك سبيلاً، سأواصل كبح جماح غضبي ازاء مصادرة احدى اهم مكونات هويتي النضالية الفلسطينية، الا وهي هويتي كعضو مجلس وطني، هذه الهوية التي اتباها بها في كل مناسبة، واعتز بألقها في اي مكان ، خاصة وأن توجهاتي الكامنة في العمل على الترشح لعضوية اللجنة التنفيذية أو للمجلس المركزي إسهاماً في التفرغ أكثر للمهام الكفاحية إعتماداً على خياراتي السياسية المكتسبة في هذا المجال .
ورغم انني لن اتسامح مطلقاً مع من هدر حق وطني وشخصي لا مراء فيه، ولن اغفر بتاتاً لمن اساء لإخوته ورفاق دربه الطويل واستخف بهم، بمن فيهم شخصي المتواضع، فإنني سأستمر كذلك في المداراة على انفعالي العميق برباطة جأش، واواصل التعلق بأهداب الامل الشحيح، في تصحيح هذا الخطأ الفادح، ان لم اقل تقديم الاعتذار عن هذه الخطيئة والإحتكام لأحكام اللائحة الداخلية، لعل ذلك يرد بعض الاعتبار، ويعوّض قليلاً عن هذا الاجراء المستهجن على حق اصيل لي، اكتسبته بالنضال في قواعد الفدائيين، وفي السجون والمعتقلات، ودفعنا، انا وامثالي من المناضلين لقاءه ثمناً غالياً، من دمائنا واعمارنا، لم يستطع دفع نظير له الا الشهداء الابرار، واصحاب الاحكام الطويلة الجائرة، والمؤبدات في معتقلات العدو الإسرائيلي المتربص بنا في الليل وفي النهار.
حمادة فراعنة
عضو المجلس الوطني الفلسطيني – عمان
29 أبريل