مرايا –  ما زالت السلطات الإسرائيلية محتفظةً بصفحة من نسخة للتوراة تعود إلى القرن الـ 14 الميلادي، كانت قد سُرِقت من الكنيس السامري في نابلس، وبيعت في سوق النوادر في الأردن.
ولا تريد السلطات الإسرائيلية إعادة هذا الأثر، الذي يعود إلى هذه الطائفة الصغيرة؛ لأنَّ أفرادها يعيشون في أراضٍ تسيطر عليها جزئياً السلطة الفلسطينية، وفقاً لما ذكره تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية. ويَعتبر السامريون أنفسهم السلالة الحقيقية لشعب بني إسرائيل، فهم يقولون إنهم ينحدرون من مملكة إسرائيل الشمالية، ويمثلون الآن واحدة من أصغر وأقدم الطوائف في العالم، ويقولون إنهم يملكون أقدم نسخة خطية للتوراة، ويتكلمون العبرية القديمة، حسب الكاهن يعقوب عبد الله رئيس جمعية الأسطورة السامرية.
ويبلغ عدد المنتسبين إلى هذه الطائفة حالياً 730 نسمة، نصفهم يسكن جبل جرزيم جنوب نابلس بالضفة الغربية، والقسم الآخر يسكن في مدينة حولون قرب تل أبيب ويحملون الجنسيتين الفلسطينية والإسرائيلية، ويعمل أغلبهم بالتجارة.
وعُثر على هذه الصفحة المثيرة للجدل من قِبل مسؤولي الجمارك في جسر أللنبي، ضمن متعلقات شخصٍ يحمل الجنسية الإسرائيلية كان يعتزم إدخالها من الأردن. ولم تجرِ إعادة الصفحة إلى هذا الشخص رُغم صدور حكم لمحكمة إسرائيلية ينص على ذلك؛ لأنَّ السامريين – وفقاً للسلطات الإسرائيلية – يعيشون في منطقة بالضفة الغربية تخضع للسيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية.
بدأ الأمر في آذار 1995، حين اقتحم لصوصٌ الكنيس السامري بنابلس وسرقوا نسختي توراةٍ قيمتين. إحداهما كانت مخطوطة ملفوفة من جلد الغنم تعود إلى العام 1360 تقريباً، في حين كانت الأخرى مخطوطة من القرن الـ 15، كلاهما كان مكتوباً بالخط السامري القديم. وفتحت السلطات الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية تحقيقاً على الفور بعد عملية الاقتحام. ويمارس السامريون ديناً يستند إلى التوراة شبيهاً باليهودية، حسب تعبير الصحيفة الإسرائيلية؛ إذ يصف اليهود السامريين بأنهم “كفرة”، وكذلك أطلق عليهم التلمود البابلي لقب “المعارضين والكفار”، بحسب ما ذكره الكاهن يعقوب عبد الله.
بعد بضعة أشهر من السرقة، أخبر الرئيس الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات، السامريين بأنَّ نسختَي التوراة عُثِر عليهما في الأردن، وأنَّ مفاوضات دفْع الفدية مع اللصوص قد بدأت. وانخفض المبلغ المُتفاوض عليه من 7 ملايين دولار إلى مليوني دولار فقط.
سافر ممثلون عن الطائفة السامرية إلى العاصمة الأردنية عمَّان. ووفقاً للتحقيق، التقى أحدهم على الأقل مع رجل مُلثَّم أراه النسختين. لكن الطائفة عجزت على ما يبدو عن جمع المبلغ، واختفى الكنزان مجدداً.
لم تظهر الوثيقتان القديمتان مرةً أخرى إلا في العام 2011، بعد 16 سنة من السرقة. هذه المرة ظهرتا في مقطعي فيديو صامتين يُظهِران إحدى النسختين، وكانت يدٌ مجهولة تُقلِّب صفحاته.
وصل مقطعا الفيديو إلى تاجر آثار إسرائيلي، الذي بدوره أطلع عليهما بنيامين صداقة، أحد قيادات الطائفة السامرية بإسرائيل وخبير المخطوطات السامرية.
تعرَّف صداقة على نسخة التوراة المسروقة، وبدأت ملاحقتها من جديد.
التقى تاجرُ الآثار في عمَّان فلسطينياً عمِل سابقاً في الشرطة الفلسطينية. وفي أثناء المفاوضات، عرض ممثلٌ إسرائيلي عن أسرة غرين – وهي أسرة من المسيحيين الإنجيليين تمتلك أهم مجموعات الآثار في العالم – شراء المخطوطة في عمَّان لصالح الطائفة السامرية مقابل حق عرضها بمتحف الكتاب المقدس التابع للأسرة في واشنطن. وبعد مناقشة العرض، رفضته قيادات الطائفة، ولَم يتم استعادة الكتابين.
وفي أثناء تفتيشٍ روتيني على جسر أللنبي فوق نهر الأردن، وفي عام 2013، عثر مسؤولو الجمارك الإسرائيليون على مادتين أثريتين ضمن متعلقات إياد سراديح من مدينة سخنين بالجليل الإسرائيلية (والذي يبدو من اسمه أنه من عرب 48).
كانت إحدى المادتين تُمثِّل صفحةً من سفر التثنية، وكانت على ما يبدو، مقطوعة من نسخة التوراة السامرية. وقال سراديح، الذي كان عائداً من زيارة عائلية إلى الأردن، إنه اشترى الصفحة في سوق النوادر بالأردن دون أن يعرف مصدرها أو قيمتها.
سلَّمت سلطة الآثار الإسرائيلية الصفحة إلى وحدة الآثار التابعة للإدارة المدنية.
وأرسلت سلطة الآثار عينة من الصفحة إلى معهد وايزمان للعلوم؛ من أجل إخضاعها لفحص الكربون-14، الذي صدَّق على أنَّها حقيقية.
ويقول إسترين، الصحفي الذي حقَّق في الموضوع بمساعدة خبراء، إنَّه متأكد من أنَّ الصفحة قُطِعَت من نسخة التوراة التي تعود لعام 1360. لكنَّ إسرائيل لم تقل إنَّ الصفحة كانت مسروقة ولم تُوجِّه اتهامات لسراديح.
تقدَّم سراديح، عبر المحامي علاء زحالقة، بطلبٍ لمحكمة الصلح في القدس لاستعادة الصفحة.
وأمرت المحكمة سلطة الآثار بإعادة الصفحة إليه، لكنَّ السلطة لم تفعل ذلك.
واتهم سراديح سلطة الآثار الإسرائيلية بعصيان المحكمة، وحصل على حكمٍ لصالحه، لكن بدلاً من إعادة الصفحة، استأنفت سلطة الآثار ووحدة الآثار التابعة للإدارة المدنية أمام محكمة المنطقة.
وجادل ممثلو الوحدة بأنَّها استعادت الصفحة من سلطة الآثار؛ ومن ثم فإنَّ سلطة الآثار ليست الجهة المنوط بها المطالبة بإعادة الصفحة.
قبلت محكمة المنطقة تلك الحُجة الشكلية، وأبطلت حكم إعادة الصفحة إلى سراديح، الذي قالت المحكمة إنَّ عليه مقاضاة وحدة الآثار. وتقدَّم زحالقة مؤخراً بطلب للحصول على حق الاستئناف أمام المحكمة العليا.