مرايا – توقع باحث ألماني أن تشن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حربا على إيران بمشاركة إسرائيل ودعم محتمل من السعودية على خلفية تصاعد التوتر بين الجانبين بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الموقع بين الدول الكبرى وطهران عام 2015.

وقال الخبير في السياسة الأميركية والعلاقات الأطلسية بالمؤسسة الألمانية لدراسات السياسة الخارجية في برلين البروفيسور جوزيف برامل في مقابلة مع “الجزيرة نت”، إن رفض إيران المطالب الـ12 التي قدمها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وإبقاءها المجال مفتوحا للعودة لأنشطتها السابقة في مجال تخصيب اليورانيوم قد يدفعان الولايات المتحدة للرد بضربات وقائية.

ورأى الباحث الألماني البارز أن العقوبات الاقتصادية التي تعتزم واشنطن فرضها على إيران تعكس رغبة إدارة ترامب في الإضرار بأوروبا والصين، إضافة لاستهدافها تغيير النظام الإيراني. وتاليا نص الحوار:

الولايات المتحدة خيّرت إيران قبل أيام بين قبول 12 شرطا لإبرام اتفاق نووي جديد معها أو التعرض لعقوبات قاسية، كيف تنظر لتداعيات ذلك؟

ليس هناك تفسير لإعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو غير أن حرب إدارة ترامب بمشاركة إسرائيل وربما بدعم السعودية ضد إيران باتت مسألة وقت، والرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير قال عندما كان وزيرا للخارجية لقد وقعنا الاتفاق النووي مع إيران لكي نمنع الحرب، والتداعيات المنطقية لانسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق هي وقوع هذه الحرب، ومجرد إبقاء إيران المجال مفتوحا لعودتها لأنشطتها النووية السابقة سيرد عليه الأميركيون بـ”الضربات الوقائية” التي خططوا لها، وهذا هو التوجه القوي لمستشار الأمن القومي الأميركي الجديد جون بولتون الذي أعلن عام 2014 أن إيقاف طموحات إيران النووية يتطلب ضربها.

ما الذي ستحققه الإدارة الأميركية الحالية من شنها الحرب على إيران؟

زيادة عدم الاستقرار بالمنطقة المضطربة، وهز استقرار أوروبا جارة هذه المنطقة، ورفع أسعار النفط لمصلحة منتجيه الكبار كالولايات المتحدة والسعودية وروسيا، ولهذا فمن المستبعد مساعدة موسكو لطهران بمواجهة أي هجوم أميركي، لأن النظام الروسي لا يمكنه البقاء على قيد الحياة من دون أسعار مستقرة ومرتفعة نسبيا للنفط، وهذا ما سيحققه له الأميركان بحربهم ضد طهران.

وكل هذا يتطلب إدراك أن الولايات المتحدة لم تعد معنية بالقواعد الليبرالية التي وضعتها هي للنظام العالمي الحالي بعد الحرب العالمية الثانية، وسياساتها باتت محكومة بالواقعية القاسية التي تعني أن من لديه الجيش الأقوى هو صاحب الكلمة الفصل المتوجب على الحلفاء والمنافسين الخضوع له، ولهذا ستسعى إدارة ترامب لفرض ما تريده بالعالم عبر ضغوط ماحقة على الأمم المتحدة، وتدمير منظمة التجارة العالمية مثلما دمرت الثقة داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وإنهاء ما تبقى من قيم للنظام العالمي الحالي، لأن ترامب وبولتون يريان أنها لم تعد تخدم إلا أوروبا والصين منافسي أميركا.

هل هدف العقوبات الأميركية المرتقبة يقتصر على تغيير النظام الإيراني؟

إضافة لهذا الهدف، فإن هذه العقوبات ستستهدف بشكل أساسي الصين التي باتت تمثل لأميركا الخطر الأكبر، وكل ما يفيدها تريد واشنطن منعه، وإدارة أوباما لم تقبل بالتفاوض مع طهران حول برنامجها النووي وتوقيع الاتفاق معها إلا من أجل منع بكين من الاستمرار في الاستفادة من إيران والمنطقة، ولذلك فالعقوبات الاقتصادية والضربة العسكرية الأميركية المتوقعة تهدف للإضرار بالصين، ومطالبة السفير الأميركي الجديد ببرلين ريتشارد غرينيل بأول يوم تولى فيه منصبه للشركات الألمانية بالخروج من إيران وإنهاء تعاملاتها معها، وتوجيه بومبيو الطلب نفسه يظهر استهداف العقوبات الأميركية للشركات الأوروبية.

هل ستقود سياسة ترامب تجاه إيران لمواجهة مع الاتحاد الأوروبي؟

الأوروبيون تأكدوا الآن أن إدارة ترامب ترى فيهم مجرد منافسين وليس حلفاء، لكن الأمور بين الاثنين لن تصل إلى مواجهة، لأن الاتحاد الأوروبي سيرضخ بالنهاية لما تريده واشنطن، لأنه لا هو ولا حكوماته يستطيعون أن يفرضوا على شركاتهم الاستثمار في إيران، ومعظم الشركات الأوروبية لها استثمارات هائلة بالولايات المتحدة وترغب بالمزيد من الاستثمار هناك، ولذلك ستنهي معاملاتها مع طهران حتى لا تخسر ما تجنيه من مكاسب كبيرة بالسوق الأميركي، كذلك فمعرفة الشركات الأوروبية أن ضربة عسكرية لإيران باتت مرجحة تزيد من توقع خروجها سريعا من سوق هذا البلد.

لكن ألا يمكن أن تؤدي هذه العقوبات الأميركية، إضافة للرسوم الجمركية التي يعتزم ترامب فرضها على واردات الصلب والألومنيوم الأوروبية، لحرب تجارية بين الاتحاد الأوروبي وأميركا؟

تهديد ترامب بشكل خاص لألمانيا بالحرب التجارية هو شيء غير مسبوق، والرئيس الأميركي استخدم الرسوم الجمركية لابتزاز أوروبا ومنع ألمانيا وفرنسا من تطوير طائرة مقاتلة مشتركة، ودفع برلين لشراء أسلحة أميركية لجيشها يتوقع أن تكون طائرات أف 35 من شركة لوكهيد مارتن الأميركية، وسعي ترامب لتدمير النظام التجاري العالمي ومنع الحلفاء من التجارة الحرة، جعل ألمانيا تدرك أن عالم القانون تحوّل بعد انتخاب ترامب لعالم الغاب، وأن عليها كدولة ليس لها جيش كبير أن تتعامل مع هذا الواقع بمعايير مختلفة.

هل سيتمسك الأوروبيون بموقفهم الرافض للتخلي عن الاتفاق النووي مع طهران أم سيتجاوبون مع ترامب؟

الأوروبيون أظهروا انقساما فيما بينهم بعدما وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام الكونغرس الأميركي الاتفاق النووي بالسيئ، ومطالبته بتوسيعه ليشمل جوانب أخرى من بينها برنامج إيران الصاروخي، بينما تمسكت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالاتفاق رغم اعتبارها أنه لم يكن مثاليا، وماكرون تجاوب بما قاله مع ترامب وأعطاه كل المبررات للانسحاب من الاتفاق النووي، وهذا يعني أن على الرئيس الفرنسي تحمل تبعات ما قاله وقبول الحرب على إيران، وهو لو كان فكّر إستراتيجيا لأدرك أن عليه فعل كل شيء للحفاظ على الاتفاق لأن الأميركيين لا يريدون اتفاقا جديدا وإنما توجيه ضربة لإيران.

إذا خرج الرئيس الأميركي مبكرا من منصبه، هل تتوقع تغيرا في سياسة واشنطن تجاه طهران؟

من الخطأ تصور أن أميركا ما بعد ترامب ستكون أفضل، وأن أي نظام قادم سيغير السياسات الراهنة، فالرئيس الأميركي الحالي هو مظهر لمشكلات بنيوية عميقة تنخر الولايات المتحدة وتهدد بتدميرها، وترامب ليس المشكلة الرئيسية لأميركا وإنما عرضٌ لهذه المشكلة المتوقع استمرارها وتفاقم تداعياتها بشكل خطير.