مرايا – دأت علاقة الأردن بصندوق النقد (الذراع المالي للبنك الدولي) منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، عندما دخلت المملكة في مدار الصندوق تحت مسمى “برنامج تصحيح اقتصادي” في محاولة للخروج من أزمة اقتصادية ضربت البلاد، ليجد الأردنيون أنفسهم بعد 27 عاما أمام أزمات اقتصادية مدورة، ومديونية لامست الـ32 مليار دولار.
وشكلت برامج “التصحيح الاقتصادي” التي وضعها الصندوق منذ 1989 وحتى 2016؛ جوهر السياسات الاقتصادية للحكومات الأردنية المتعاقبة التي طبقت هذه الوصفات، وقامت برفع أسعار ورسوم سلع أساسية، وفرضت عددا كبيرا من الضرائب، استجابة لمطالبات الصندوق.
ووقعت حكومة هاني الملقي، الاثنين، على برنامج التصحيح الاقتصادي مع الصندوق للأعوام 2017- 2020، وبناء عليه؛ فقد تعهدت الحكومة بتنفيذ وجبة جديدة من رفع الرسوم والضرائب، التي طالت الملابس والأحذية والمحروقات والمركبات والسجائر والكهرباء.
وسيطال الرفع -بحسب نائب رئيس الوزراء وزير الصناعة والتجارة جواد العناني- أسعار الكهرباء، التي ستربط اعتبارا من منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر القادم بأسعار النفط عالميا، وسيتم تعديل التعرفة الشهرية كلما ارتفع النفط عن 55 دولارا للبرميل.
وقال المحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي -الذي استمع لوجهة نظر الحكومة حول الإجراءات الجديدة- إن “الحكومة وقعت الاتفاقية مع الصندوق، وبحسب وجهة نظرها؛ فإن هذه الإجراءات ستوفر إيرادات لتخفيض المديونة، وتحقيق نمو اقتصادي، وتهيئة الأجواء للاستثمار”.
وشكك الدرعاوي بقدرة هذه الإجراءات على تحقيق “النمو المستهدف، وخصوصا أن البرنامج الماضي لم يحقق ذلك”.
وأظهرت الأرقام الرسمية ارتفاع معدلات البطالة، حيث سجل تقرير دائرة الإحصاءات العامة الصادر قبل حوالي شهرين؛ ارتفاعها إلى نسبة 14.6 بالمئة، مقارنة بـ12.9 بالمئة خلال الربع الأول من العام الماضي، في ظل تراجع النمو الاقتصادي والقدرة على توليد فرص العمل، وتراجع الاستثمارات بنسبة 28 بالمئة.
كيف يتعامل الصندوق مع الدول المدينة؟
وتتفق أحزاب المعارضة الأردنية -بمختلف أطيافها- على أن الحكومة الأردنية ترتبط بعلاقة “تبعية” مع الصندوق، ويقول عضو حزب الوحدة الشعبية فاخر دعاس (يساري)، إنه “من خلال نظرة سريعة لإملاءات الصندوق؛ تتأكد أن أنه لا يهدف للارتقاء بالاقتصاد الأردني، بل يرمي لربط هذا الاقتصاد أكثر وأكثر بالصندوق، وإغراقه بالمديونية؛ كي يبقى قراره السياسي بيد الأمريكان”.
ويستشهد دعاس على “حجم تحكم الصندوق بسياسة الأردن”، بـ”تصريحات لرئيس الوزراء السابق قال فيها للنواب إنه لا يستطيع التراجع عن رفع أسعار الكهرباء، كونها قرارات لصندوق النقد”، مضيفا أن “الطاقم الحكومي لم يعد سوى مجموعة موظفين يعملون تحت إمرة هذا الصندوق، ويلتزمون بتعليماته، وتنفذ الحكومات المتعاقبة إملاءات الصندوق حرفيا دونما تردد”.
وقال دعاس إن “ما حدث في الأعوام الأربعة الأخيرة من إغراق للأردن بالمديونية، لا يمكن أن يكون بريئا، وخاصة في ظل تسارع الحديث عن دور أردني رئيس في المشاريع الأمريكية لحل القضية الفلسطينية، أو تصفيتها بمعنى أدق”.
وتابع بأنه “لو نظرنا إلى كافة توصيات صندوق النقد الدولي الملزمة للأردن؛ لوجدنا أنفسنا أمام جهة تعمل على تحطيم اقتصادنا؛ ليبقى مرتهنا لهذا الصندوق وللأمريكان”.
وتتمتع الولايات المتحدة بقوة تصويتية في صندوق النقد الدولي تصل إلى 17.6 بالمئة، وهي القوة التصويتية الأعلى، فالنسبة التصويتية للدولة التي تليها، وهي ألمانيا، لا تتجاوز الـ6 بالمئة. وينص نظام الصندوق على أن القرارات الرئيسة للصندوق تحتاج إلى نسبة 85 بالمئة من الأصوات، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها القوة التصويتية المعطلة لأي قرار لصندوق النقد الدولي.
من جهته؛ توقع الرئيس السابق لجمعية المحاسبين الأردنيين، محمد البشير، أن تؤدي الإجراءات الحكومية إلى “مصاعب جديدة على المواطن الأردني، الذي لم يعد يحتمل ارتفاع تكاليف الحياة”.
وقال البشير إن “صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أداتان سياسيتان، وكل وصفاتهما مرتبطة بأهداف سياسية تخدم الكيان الصهيوني”.
إلا أن الخبير الاقتصادي مازن مرجي؛ عارض فكرة أن الصندوق أسس من قبل عائلة يهودية لفرض أجندة سياسية، قائلا إن ” الصندوق هو مساهمة من دول عديدة، من أكبرها أمريكا والسعودية، وتأسس عام 1944 كأي منظمة عالمية، وكان الهدف منه خدمة الدول النامية، ثم انقلبت الآية ليصبح حاميا للدول الكبرى، ومشجعا على الخصخصة، ومتحكما بجميع دول العالم دون استثناء”.
وأضاف مرجي : “يضع الصندوق خططا وبرامج كي يتأكد أن الدول قادرة على سداد الديون، أو أنها قادرة على الاقتراض”.
وبالرغم من برامج التصحيح الاقتصادي التي اتبعتها الحكومات الأردنية المتعاقبة؛ فإن المؤشرات الاقتصادية بينت أنها لم تؤت أكلها في السنوات الماضية، وتمثل ذلك في تراجع نمو الاقتصاد الأردني، وارتفاع الدين العام ومعدلات البطالة، وهروب الاستثمار، وتآكل الطبقة الوسطى، وارتفاع معدلات الفقر، بحسب مراقبين ومختصين.