مرايا – بعد وفاة كلا والديها، كان الخيار الوحيد أمام نور(اسم مستعار)، ابنة “16 عاما”، الزواج من ابن عمها القاصر كذلك، باعتبار الزواج يوفر الحل والمبرر لإقامة الطفلة بمنزل عمها.
كانت العائلة تبحث عن حل اجتماعي حتى يتولى العمّ رعاية ابنة شقيقه نور في منزله، خصوصا أن جميع أبنائه من الذكور، فكان المخرج الوحيد أمامه تزويج الطفلة لابنه الذي لم يبلغ بعد سن 18.
قضية “نور” هي واحدة من القضايا التي تناولتها دراسة متخصصة، أعدها مركز تمكين للدعم والمساندة حول “تزويج القاصرات”. بحسب الدراسة تم عقد 192 حالة زواج في العام 2017 بين قاصرين “الفتاة والشاب دون سن 18″، ولفت “تمكين” الى أن “القرار الوحيد الذي اجازه القانون لكلا العريسين في هذه الحالة هو الزواج، في حين أنيط بولي أمر العريس القيام بكافة الأمور القانونية الاخرى، من اخراج عقد الزواج الى دفتر العائلة وغيرها من الاوراق الرسمية، كما أنه وفي حال انجاب طفل قبل بلوغ الاب سن 18 فإن استخراج شهادة الميلاد سيكون من قبل الجد كذلك”.
تقول مديرة “تمكين” لندا كلش إن استثناءات قانون الاحوال الشخصية بمسألة الزواج المبكر “تشكل مفارقة”، ففي وقت يعتبر به القانون أن الطفل فوق سن 15 عاما قادر على اتخاذ قرار مصيري وهو الزواج، فإن التشريعات تعتبره فاقدا للأهلية وغير قادر على اتخاذ قرارات أخرى كإصدار رخصة القيادة، المشاركة بالانتخابات، اصدار الأوراق الرسمية وغيرها”.
الدراسة التي أعلنت نتائجها رسميا الخميس الماضي، بينت أن التزويج القسري للطفلات تعود أسبابه للعادات والتقاليد”، كما يعد الفقر أحد أهم الاسباب، فالعائلات الفقيرة “تقوم بتزويج الفتيات بغية الحصول على المال أو التخلص من مسؤوليتهن اذ يعتقد الاهالي أن بتزويج بناتهن سيخفف من مصاريف العائلة في التعليم والرعاية الصحية والسكن”.
كما تعد من الاسباب، حسب الدراسة، مسألة “الشرف” حيث يجري تزويج القاصرات لحماية شرف العائلة، وأن التزويج بسن مبكرة يوفر حماية لضمان السمعة الطيبة لعائلة الطفلة، اضافة الى عامل الحروب والاوضاع السياسية غير المستقرة.
وكشفت الدراسة أن الزيادة بعدد حالات زواج القاصرات “هي زيادة طردية مع الزيادة الحاصلة في السكان بالأردن، وأن الأزمة السورية لم تساهم بزيادة عدد الحالات كما حاول البعض تفسيرها، إذ بقيت النسبة ثابتة عند 13 %”.
وسجلت في المملكة العام الماضي 10434 حالة تزويج لقاصرات، بحسب تقارير دائرتي قاضي القضاة والإحصاءات العامة.
واعتبرت الدراسة قانون الأحوال الشخصية ورغم التعديلات التي حصلت عليه “لا يزال غير مقيد بالشكل الكافي”، لافتة الى أن مستويات زواج القاصرات “لا زالت على ذات المستوى منذ سنين عدة رغم جهود محاربة الظاهرة”.
وتنص تعليمات منح الإذن بالزواج لمن أكمل الخامسة عشرة، على أنه “يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من أكمل الخامسة عشرة من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة وفقاً لأحكام هذه التعليمات”.
لكن “تمكين” اعتبرت ان هذه التعليمات تخالف قانون الأحوال باعتبار ان الزواج المبكر “يؤثر سلبا على الفتيات اللاتي يتزوجن دون سن 18 عاما بمختلف النواحي الصحية والاجتماعية والثقافية”.
ووفقا للدراسة فان تعليمات منح الإذن بالزواج للقصر “غير كافية لمنع تزويج القاصرين (…) ما يشير إلى أن هناك تساهلا في منح الإذن، أو أن الشروط فضفاضة”.
وأكدت الدراسة أن الشروط بالتعليمات تنطبق على عقود الزواج كافة وليست شروطا خاصة أو مشددة لزواج القصر؛ كاشتراط أن يكون الخاطب كفؤا وان يتحقق القاضي من الرضا والاختيار، وإبراز وثيقة الفحص الطبي. مبينة انه سجلت خلال العام الماضي 846 حالة كان فارق العمر بين الزوجات القاصرات والأزواج فيها 15 عاما وأكثر.
وأوضحت أن من بين الـ 846 حالة كان هناك 29 عقدا تجاوز فيها فارق العمر 33 عاماً، و9 عقود تجاوز الفارق 50 عاماً، ما “يعتبر انتهاكاً واضحاً للتعليمات التي تنص على ألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين 15 عاما”.
فيما سجلت العام 2016 10907 عقود تزويج قاصرات، كان منها 170 عقدا كان بفارق عمر بين الزوجات القاصرات والأزواج أكثر من 22 عاماً.
وتؤكد كلش ان الباحثين لاحظوا بالدراسة ان العديد من حالات تزويج القاصرات “تحصل إما لأسباب اقتصادية للعائلات، أو لأسباب تتعلق بالتعليم من ضمنها رفض بعض العائلات إكمال تعليم بناتهن، حيث تزويج الفتيات في كلا الحالتين دون الرجوع الى رأيها، أو لأن إرادتها ووعيها مغيبان”.
وتقول “لوحظ وجود علاقة واضحة بين ارتفاع نسبة التسرب من المدارس للفتيات وبين تزويجهن قاصرات، لعدم وجود فرص أخرى في ظل الظروف الحالية وعدم إدراج هذه الفئة في برامج التدريب المهنية والتي تستهدف من هن في سن 18 أو أكبر”.
وفي محاولة لربط قانون منع الاتجار بالبشر بتزويج القاصرات، لاحظت الدراسة أن القانون قام يتحديد أنواع الإستغلال بحصر أشكالها، ما يزيد صعوبة تطبيق القانون الحالي على الحالات التي قد تدخل فيها جريمة الإتجار بالبشر بعناصرها، وفقاً للبروتوكول الدولي مثل التزويج القسري وتزويج القاصرات.
وأما بالنسبة لضحايا الإتجار من الأطفال، فلفتت الدراسة الى أن الاطفال يشكلون الشريحة الأكبر من ضحاياه بالقضايا التي سجلتها المملكة بنسبة 51.9 % في الفترة الواقعة ما بين عامي 2009 و 2016.
واكدت الدراسة على ضرورة تعديل قانون منع جريمة الإتجار بالبشر حتى يتسنى إضافة تزويج القاصرات ضمن أنواع الإستغلال الواردة بالتعريف، حيث أن القضايا التي تشتمل في ثناياها على تزويج قسري تكيف على أنها شكل من اشكال الإستغلال الجنسي.
لكنها لفتت الى أن من الصعب جداً رصد مثل هذه الحالات بسبب وجود خصوصية معينة لهذا النوع من الإستغلال محليا ودوليا لاسباب خاصة بالمراة والمجتمع. مشددة على ان “بعض حالات تزويج القاصرات قد ترقى لجريمة اتجار بالبشر”.
وأظهرت الدراسة أن “تزويج القاصرات يعود بالمصلحة بالدرجة الأولى على المتعاقدين الممثلين بولي الفتاة وزوجها دون النظر إلى مصلحة الفتاة أو حتى موافقتها حيث لا يحصل عليها في كثير من الأحيان أو يتم الحصول عليها من خلال أساليب خداع أو جذب خادعة تؤدي إلى موافقة الفتاة قبل أن تتفاجأ بواقع الزواج وآثاره مما يتركها بوضع ضعيف بسبب صغر سنها وقلة وعيها ويجعلها عرضة الاستغلال وهو الهدف الرئيسي لجريمة الاتجار من عنف
و آثار نفسية واجتماعية وصحية أخرى ناتجة عن تزويج القاصرات”.
وأشارت الى وجود علاقة واضحة بين بعض حالات تزويج القاصرات التي تجري وبين التزويج القسري الذي يعد دوليا شكلا من أشكال الإتجار بالبشر.
وأوصت الدراسة بالعمل على تعديل المادة (3) من قانون منع الاتجار لإلغاء حصر انواع الاستغلال، واضافة الزواج القسرين، والعمل ايضا على تعديل ” الأحوال الشخصية” بحيث تقيد الإستثناءات لزواج القاصرين وتغلط العقوبة لمن يعقدون قران من هم تحت سن 18 خارج المحكمة.
كما اوصت بخلق بيئة داعمة لإظهار الأثار السلبية لزواج القاصرات واعداد وتنفيذ خطة توعوية شاملة تبين اثارها السلبية على الافراد والاسر والأطفال والمجتمع بشكل عام، والعمل على إصلاح السياسات المتبعة بالمنظومة التعليمية.