مرايا – تعرّضت حكومة الدكتور عمر الرزاز ، الاحد ، لهجوم نيابي مكثف في أول أيام جلسات مناقشة البيان الوزاري الذي طلبت الحكومة على أساسه الثقة من البرلمان.
تحدث في جلستين صباحية ومسائية 22 نائباً أعلن منهم 4 نواب حجبهم الثقة عن الحكومة من على منصة الخطابة، وسط انتقادات قاسية وهجوم مباغت حظيت به الحكومة من نواب ربما لم يتوقع الرزاز أن يصل هجومهم إلى هذه الحِدة.
ومع أن الإنتقاد كان مُكثفاً إلا أنه يمكن تلمس بعض العشوائية التي بدت واضحة في تشعب الملفات التي هوجمت الحكومة على أساسها، فلم يظهر ملف بعينه كـ “مشجب” يعلّق النواب عليها انتقاداتهم، إلا أن الملمح العام لخطاب النواب يشي بنوع من الرفض لطروحات وأفكار الرزاز الذي لم يختلف النواب على “لطافته” و “التعبير عن احترامهم لشخصه”.
تنوعت الإنتقادات غير أن أبرزها انحصرت في 3 نقاط ساخنة : الأولى تتعلق بتشكيلة الحكومة التي جيء بأكثر من نصفها من وزراء حكومة هاني الملقي، والثانية خلفيات بعض الوزراء الجدد التي كانت مبرّراً ومادة خصبة للهجوم على الحكومة، أما الثالثة فتركزت على مفهوم “العقد الإجتماعي الجديد” الذي كان الرئيس يردده منذ تكليفه بتشكيل الحكومة.
ربما ندم الرئيس الرزاز على اقتباسه من الفيلسوف “ابن خلدون” فقد أعاده النواب على مسامعه طوال جلستين، حيث عكف النواب على إكمال ما قرأه الرئيس في جلسة الإثنين الماضي مستعيراً نصاً من كتاب “ابن خلدون”، حيث أضاف نواب عليه الشق الذي يتعلق بـ”استقامة الوزراء”.
فاجأ النائب المخضرم عبد الكريم الدغمي بأن استهل كلمات جلسات المناقشة حول البيان الوزاري وهو الذي إعتاد من قبل على أن يختتم كلمات النواب في النقاشات المماثلة.
وقع ما كان يخشاه الرزاز وما لم يكن يتمناه حيث انبرى الدغمي بكامل ثقله بتوجيه “الضربات” ابتدأها بالتعريض برئيس الوزراء الرزاز نفسه ومرّ بعبارات شديدة اللهجة على عدد من الوزراء الذين سمعوا كلمات ثقيلة من نائب بحجم ووزن الدغمي.
وجه الدغمي هجوماً مباشراً على الرئيس الرزاز بأن ربطه وبعض فريقه الوزاري بـ”البنك الدولي” و “صندوق النقد” والمنظمات التي قال النائب إن الرئيس كان يديرها، واصفاً حكومته بأنها “تُشبه بُنيتها البنك الدولي”.
قسوة خطاب الدغمي وبخلاف توقعات الرئيس دفع بالدغمي الذي كان يستشعر بقوة وقع خطابه عند الرزاز الذي لم يكن مهيئاً لإستقبال هذا السقف من النقد تجاهه، بالتذكير بأن علاقة تربطه بالرئيس وبعائلته “علاقة تاريخية احترمها”، لكنه عاد وأوغل في هز معنوية الرئيس وهو يقرأ على مسامعه عبارات لجده منيف الرزاز “نموت كالأشجار واقفين ولا نركع”، وتساءل الدغمي “أين أنت من مبادىء وفكر الدكتور منيف؟ وأين فريقك من طاهرة مؤنس (نجل منيف)؟”.
وشكك الدغمي في الفريق الوزاري الذي يقوده الرزاز وقدرته على “إيصال الأردن إلى بر الآمان”، معتقداً أن رؤساء الحكومات لا يحترمون مجلس النواب ولا النواب و”يضحكون على الذقون”.
وشنّ الدغمي هجوماً عنيفاً على أعضاء في الحكومة بتساؤله “هل ستمنع حكومتك المليئة بأصحاب منظمات التمويل الأجنبي التي عاثت فساداً وافساداً وتجسساً عمل هذه المنظمات؟ هل ستراقب تمويلها؟ هل ستحاسب الذين أثروا وامتلأت جيوبهم سحتاً؟ لا أظن أنك تقدر؟”.
وعلى غرار حديث الدغمي تعرّض وزراء في حكومة الرزاز إلى نقد واسع من قبل نواب حيث طالتهم نقاشات النواب أكثر من شخص الرئيس، وكانوا نقطة جذب واتفاق على رفض وجودهم في الحكومة حتى أن نائباً طالب بتعديل وزاري لإخراج الوزراء الجدليين.
لم يكن محظوظاً الرئيس في يومه الثاني تحت قبة البرلمان والأول من نقاشات النواب بعد أن تصدر واجهة الخطابة دفعة من النواب الغاضبين على الحكومة، والقادرين على رسم خارطة طريق لنقاشات الأيام المتبقية.
حتى النائب طارق خوري الذي كشف عن استفتاء أجراه لقاعدته الإنتخابية حول موقفها إزاء الحكومة والتي دعمت فكرة منح الثقة خالف رأيها بالإعلان عن حجبه الثقة، وهجم على عدد من الوزراء بالاسماء وجرّد وزير تكنولوجيا المعلومات من “الخبرة” و”الكفاءة” منتقداً تسليمه منصب الوزارة.
حديث خوري أيضاً كان مفاجئاً ومتناقضاً مع ما كتبه عبر صفحته على “تويتر” عشية يوم من مناقشات الثقة، فقد عبر عن عدم “استيعابه” لمن يفكر بحجب الثقة عن حكومة الرزاز بحكم مسبق وقد منح الثقة مرتين لحكومة الملقي التي وصفها بـ”حكومة إفقار الشعب الأردني، حكومة الجباية والضرائب ورفع الأسعار والاضطرابات”.
وامتدح النائب حكومة الرزاز بالقول “علماً أن هذه الحكومة بدأت تعمل لصالح الوطن والموطن، حكومة منفتحة نحو الشعب وتمد يدها نحو الجميع”.
توسّع حجم النقد مع دخول الإسلاميين على خط الهجوم برغم التواصل الذي جرى بين الحكومة وأطراف قيادية في الحركة الإسلامية أخيراً، حيث وجه نواب كتلة الإصلاح النيابية منصور مراد وديمة طهبوب وسعود أبو محفوظ وحياة المسيمي نقداً لاذعاً للحكومة.
التسريبات من الأطراف “الإصلاحية” كانت تشير إلى أن طهبوب كانت تقود عملية تغيير المزاج داخل الكتلة لصالح منح الحكومة فرصة ال 100 لتحديد الوجهة بعدها، إلا أن كلمة طهبوب كانت حادة هي الأخرى معلنة أنه “لا يمكن أن نفتح صفحة بيضاء مع هذه الحكومة أو نقول عفا الله عما سلف”.
وبينما كثّفت طهبوب كلمتها في طرح الأرقام الإقتصادية التي تشير إلى وجود خلل في بُنية الإقتصاد، استعارت من دراسة سابقة للرزاز تتحدث عن استفادة دولة بوتسوانا من اكتشاف الألماس العام 67، متسائلة ” ما الذي يمنع من أن تصبح الأردن بوتسوانا أخرى؟” من خلال الاستفادة من الثروات غير المستغلة.
فتحت طهبوب جبهة جديدة على وزراء حكومة الرزاز حينما تناولت وزيرة السياحة بالنقد على مصطلح استخدمته في محاضرة عُقدت أخيراً تجاه الاسرائيليين بوصفهم “ابناء عمنا”، وفتشت طهبوب وراء أراضي الباقورة والغمر وهو ما أتى على ذكره أكثر من نائب، مطالبين الحكومة بموقف حازم تجاه هذا الملف.
عادت طهبوب لإحراج الرئيس بالإقتباس مجدداً من دراسة سابقة له حول قانون الضريبة والتي كان يتحدث فيها عن “ميزان الضريبة” بين دول ديمقراطية والدول العربية، حيث يقول الرزاز في دراسته “المحزن أننا لا نعرف لأننا لم نسمع صوتها بل صوت من يتحدثون عنها بالنيابة عنها”، متسائلة “لقد اسمع الشعب الأردني صوته عالياً فهل سمعته الحكومة وهي على وشك تقديم قانون للضريبة؟”.
وبينما كان النواب ينتقدون بشكل عام مفهوم “العقد الإجتماعي الجديد” الذي روّج له الرزاز، تعمّق النائب خالد البكار بالخوض فيه عندما طرح تساؤلات عديدة حوله وطال شرر حديثه من وصفهم بـ “أصحاب النهج الجديد” الذين يهاجمون من يخالفهم باعتباره “قوى شد عكسي” و”تيار محافظ” و”حرس قديم” و “أعداء تغيير النهج، في تهم اعتبرها “معلبة مستمدة من الثقافة الغربية”.
يُظهر حديث البكار وجود تيار مناهض لطروحات الرزاز ولسان النائب هنا لا ينطق باسمه فقط لمن يعرف كواليس البرلمان، وهو يقرّع على الحكومة الحالية حديثها عن “نهج جديد” فيما هي “تدّور معادلات سابقة اثبتت فشلها” مستعينة – أي حكومة الرزاز – ب 16 وزيراً من الحكومتين السابقتين وجاءت ب 12 وزيراً “لا قواسم مشتركة بينهم”.
يرى البكار بمفهومه أن “النهج الجديد” يتمثل بمحاكاة عملية لمعاملات التغيير الجذري في نهج الإدارة العامة واعادة تبويب البيروقراطية الرسمية واعادة انتاج الكفاءة لصفوف العمل، وتثبيت أركان العدالة، والنزول إلى الميدان، والثورة على الفساد، مشككاً في قدرة الحكومة في “مصادرة كل ما تم سرقته من الأردنيين”.
يعلن البكار رفضه للنهج الذي أعلنت عنه الحكومة ويتمسك بـ”البيروقراط” ومنها ينطلق في الإعراب عن خشيته من “العقد الاجتماعي الجديد” الذي “يدب الرعب في القلب” – كما وصف -، متسائلاً “هل نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد أم بحاجة إلى التعامل مع دستورنا على أرضية صدق وفعل وإخلاص النية الوطنية؟”، معتبراً أن المفهوم الذي تروج له الحكومة “استعير من دراسات غربية وتوصيات مؤسسات دولية”.
وبينما دعا الحكومة إلى العودة لتوصيات لجان كلنا الأردن والأجندة الوطنية والأردن أولاً ومخرجات الميثاق الوطني فهي بغنى عن “عقد اجتماعي جديد” يحتاج إلى حكومة وفاق وطني تعيد مسار العمل العام إلى جادة الصواب.
يُلخص مشهد تنوع النواب الذين تحدثوا وخلفياتهم من الدغمي وخوري والبكار وحسن العجارمة إلى طهبوب ورفاقها أن وتيرة النقاشات لن تغادر المربع الذي رسمته كلمات النواب في اليوم الأول، وربما تحصل الحكومة على الثقة في ختام هذا الهجوم لقناعة طيف من النواب أن حجب الثقة عن الحكومة يعني الدخول في معترك دستوري ومتاهة الفترات الزمنية وقد يعصف بوجودهم، غير أن هذا السيناريو لن يمنع من العلاقة بين الحكومة والنواب التي بدا عليها التوتر مبكراً.
ستجد الحكومة على ما يبدو معارضة شرسة تحت قبة البرلمان لمواصلة برنامجها و “نهجها”، وقد وجّه النائب سليمان الزبن نقداً ذاتياً للمجلس وهو يذكر زملاءه بأنهم أضاعوا “فرصة وطنية” سابقة في تصدر المشهد والتي كانت متاحة للنواب ضمن أحكام الدستور وكأنه يُلمح إلى عدم قدرة المجلس على الإطاحة بحكومة هاني الملقي.