مرايا – عُمر كُلّاب – إحدى ابرز علامات قلة خبرة الجزار او اللحام , قطع رأس الذبيحة قبل خروج الروح ووقف الارتعاشة في جسد الذبيحة , ولعل هذا التوصيف الحاد هو الاقرب الى وصف الحالة الاعلامية المحلية التي يرتعش جسدها كله – وإن شاء بعض الاعلام ان يقول ينبض فلا بأس – وسط غياب رأس للاعلام او مرجعية واضحة المعالم والتفاصيل , فقد استعجلنا نعي الديناصور المنقرض – وزير الاعلام – قبل ان يستقر المجتمع على صيغة راكزة بديلة , فلا الناطق الاعلامي للحكومة يملك المعلومة اللازمة والكافية ولا المؤسسات تمتلك ناطقا اعلاميا قادرا على تلبية شغف الناس بالمعرفة او اسكات جوع الصحافة للمعلومة .
بالمقابل لم تمتلك مؤسسات المجتع المدني ثقافة اعلامية والاحزاب غائبة وصُحفها توفت منذ اللحظة الاولى للصدور , وتراجعت كل مكونات المؤسسات الرسمية الخدمية والسيادية , وجرى تجريف السلطة الشعبية من نواب واعيان بحكم القوانين السائدة والتعديلات الدائمة عليها , وانعكس ذلك ترديا على مستوى السلطة التنفيذية , وقفز المجتمع الاردني الى مرحلة القلق الحاد الذي بات ينكر كل شيء ولا يستمع الا الى رغباته وكثيرا ما يسمع صوتين فقط , صوته وصدى صوته , فتردى المجتمع الى الدرك الاسفل من الغضب والانزياح عن التقاليد القانونية والاجتماعية , واسهم الربيع الجائر في اضعاف هيبة الدولة ومؤسساتها .
اليوم ثمة سعي جارف لشيطنة الاعلام وتحميله وزر خراب المجتمع , وهذا الامر فيه كثير من الحقيقة لكنه يبقى نتيجة وليس سببا , فالسبب في تراجع الاعلام واصفرار اخباره وسلوكه , هو تراجع الاداء العام , وغياب مرجعية واضحة لانسياب المعلومة , فهي اما تأتي متاخرة جدا او تأتي منقوصة , نتيجة قناعة راسخة في عقل المسؤول الرسمي بأن الجمهور ليس من حقه المعرفة بل ان المعلومة كنز المسؤول ومن ممتلكاته الخاصة , فالمسؤول يحمل نظرة دونية الى الرأي العام ولا يعتبره جديرا بالشراكة والخدمة , وتكفي مراقبة تصريحات المسؤول او قراءة التصريح الرسمي للدلالة على هذه القناعة , فكل تصريحاتنا ما زالت مبتسرة ولا تكفي ثمن الحبر الذي كُتبت به .
هناك اجماع عام على ان الترهل والفساد والتراجع في الخدمات بات سمة للجهاز الرسمي , ومع ذلك هناك انتقاد حاد للاعلام بانه سبب ذلك , وكأن الصحافة والاعلام بتلاوينهم المختلفة منعوا تطور المجتمع وتقدم المؤسسات , دون احساس بأن التراجع العام سينسحب على الاعلام بالضرورة , ففي زمن الانحطاط والتراجع للامة , ظهرت كل اشكال الشعر السخيف او الشعر الذي يعتمد الشكل دون المضمون , والشعر صحافة العرب وتاريخهم المحكي , اي بمثابة الاعلام اليوم بالاضافة الى فن الخطابة الذي تراجع مع تراجع الواقع العام .
في كل حدث او حديث يجرى تعليق مشنقة قانونية للاعلام , ويجري تكريس انه الازمة وبلجمه يكون الحل , ويمسك المسؤول الرسمي بجملة الملك عن ضرورة وقف اغتيال الشخصية وينسى جملته التاريخية عن حرية سقفها السماء , والقضية متلازمة , حرية سقفها السماء ستغلق باب اغتيال الشخصية للابد , وعكس ذلك فإن القانون يطال من يغتال الشخصية .
بات من المناسب كما راجعنا تجربة وزارة الشباب ان نراجع تجربة وزارة الاعلام حتى لو كانت مربوطة بالثقافة او الشباب , اما ان يبقى الحال كما هو عليه فهذا يعني استمرار مسلسل الخراب , فالناطق الاعلامي باسم الحكومة محصور في اسمه ووصفه الوظيفي , وهذا لا يلبي حاجة المجتمع اليوم.