مرايا – في الثالث عشر من سبتمبر عام الف وتسعمئة وثلاثة وتسعين، اي قبل خمسة وعشرين عاما بالتحديد، وقع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي حينها اسحق رابين اتفاق اوسلو في واشنطن.
خمسة وعشرون عاما، تقر جميع الاطراف بانها منحت الاحتلال اكثر مما اتفق عليه في اوسلو واخذت من الفلسطينيين اكثر مما اتفق عليه.
اليوم اعلنت الولايات المتحدة اغلاق مكتب ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية لديها. والذي يمثل المنظمة التي اخذت شرعيتها كممثل للشعب الفلسطيني من اتفاق اوسلو.
القرار قد لا يكون مفاجئا، فواشنطن هددت قبل اشهر باغلاقه. لكن ما يهم خلفيات القرار. والخلفيات يمكن استشرافها من كلام مستشار الامن القومي الاميركي جون بولتون ومحرك السياسة الخارجية للبيت الابيض.
بولتون ربط اغلاق المكتب بمحاولات السلطة الفلسطينية تحريك تحقيق حول جرائم الاحتلال الاسرائيلي داخل المحكمة الجنائية الدولية. والتي وصفها بغير الشرعية، بل واعتبر انها ميتة.
اما البعد الثاني لخلفية قرار واشنطن، فهو اشتراط بولتون لاعادة فتح المكتب عودة السلطة الى المفاوضات مع الاحتلال.
انعكاسات هاذين البعدين يمكن تصورهما بالتالي:
بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية: هذا الامر يعكس اعترافا ضمنيا اميركيا واسرائيليا بارتكاب كيان الاحتلال جرائم لا شك انها ترقى لجرائم حرب وضد الانسانية. كما يعكس خوفا من محاكمات وملاحقات بحق قادة الاحتلال ما يستدعي شن هجوم على المحكمة وضربها في تكوينها القضائي والهيكلي (كما فعل بولتون امام مسؤولي منظمة “مجتمع الفيدرالية” احدى اكثر المنظمات المحافظة تاثيرا في الحياة السياسية الاميركية).
بالنسبة لمفاوضات التسوية: منذ بداية الاجراءات العقابية الاميركية بحق الفلسطينيين قبل اشهر. من قطع الاموال عن وكالة الاونروا، مرورا بوقف المساعدات المالية لمستشفيات فلسطينية، وصولا لقرار اغلاق مكتب منظمة التحرير. كل ذلك كان يتمحور حول موضوع معاقبة الفلسطينيين لرفضهم الذهاب لطاولة المفاوضات بهذه الظروف. رفض كان بفعل قوة المقاومة وارتفاع فعالية النضال الشعبي الفلسطيني وانتفاضة القدس.
لذلك فان كل الاجراءات تهدف لاحضار الفلسطينيين الى طاولة مفاوضات قد تشبه اي شيء الا المفاوضات. فهي ستكون على قاعدة جديدة تغيب عنها قضية القدس وكذلك حق العودة. وبالتالي ستكون على قاعدة “نتفاوض معكم حول طريقة قتلكم”
فالقدس غيبت عن الساحة بعد اعتراف دونالد ترامب فيها عاصمة للاحتلال. وحق العودة يتم العمل لانهائه عن طريق ضرب الاونروا. فيما عمليات الاستيطان تستمر بوتيرة هي الاعلى في تاريخ كيان الاحتلال.
كل ذلك يعني التالي:
اولا: انهاء اي حديث عن حل الدولتين، كون عوامل وعناصر اي دولة فلسطينية غير موجودة. ان كانت القدس او حدود الدولة الفلسطينية او سيادتها.
ثانيا: عدم الالتزام باي حدود للاستيطان وفتح المجال الفلسطيني برا وبحرا لسلب ما تبقى من اراض فلسطينية.
ثالثا: تحصين كيان الاحتلال من اي محاسبة، حتى وان كانت نظرية ولا ترقى للملاحقة الجدية
رابعا: كل ذلك يعني انتهاء مفاعيل اتفاق اوسلو وما نتج عنه، والذي كان بطبيعة الحال لصالح الاحتلال. فمثلا حين وقع الاتفاق كان عدد المستوطنين في الضفة 110 الاف مستوطن. اما الان فالعدد يتخطى 600 الف مستوطن.
ومع انتهاء مفاعيل اوسلو وعودة الامور لما قبل ربع قرن. فان الواقع الجديد هو فشل عملية التسوية كما اعتبرت حركة حماس. ما يستدعي مراجعة شاملة والاتفاق على الية لمواجهة الاحتلال. هذه المواجهة يجب ان تعتمد على نفس النهج الذي اثبت فعاليته طوال الفترة السابقة اي المقاومة والنضال الشعبي.
ومع قتل واشنطن لاتفاق اوسلو في يوبيله الفضي، في مرحلة يعتبر قادة الاحتلال انهم يعيشون عصرا ذهبيا مع وجود ترامب في البيت الابيض، يبقى على الفلسطينيين ان يعيدوا عصرهم الذهبي قبل سبعين عاما.