مرايا – وُضِع الأردن في السنوات الأخيرة، وبشكل أشد راهنا، تحت ضغط سياسي واقتصادي كبيرين، وهو ضغط، بالطبيعة، له تداعييات أمنية اجتماعية يصعب التنبؤ بها أو تقديرها.
الدولة الأردنية، لا تتحدث بشفافة وصراحة عن الضغط وأسبابه، فقط هي تلمّح إليه، وتكتفي، بالتعامل مع آثاره ونتائجه، مع عِلمها أن هذا التعامل، وبهذه الطريقة، لا يغير من الواقع كثيرا.
لقد لعبت ظروف اقتصادية مرتبطة بشح موارد الدولة، وخصخصة مقدرات الوطن على نحو غير مدروس، وتوسع الفساد بأشكاله المختلفة، أفقيا وعموديا، وغياب الاستثمار النافع، دورها في المساهمة بوضع الأردن تحت الضغط.
والسبب، أن تلك الظروف وفرت بيئة ملائمة للجهات الضاغطة كي تمارس ضغطها وهي تتوقع أن هذا الأمر سيؤدي إلى النتائج التي تريد بلوغها، في استثمار، أو بالأصح ابتزاز، بشع، للدولة، التي تقوم ماليتها على الضرائب والمنح والمساعدات الخارجية.
تلك نقطة الضعف الكبرى للدولة؛ نقطة ضعف شكلت قناعة عند الخصوم، وأصحاب المصالح، بأن الاستثمار في هذه الحاجة يتيح فرض الأجندة التي تناسبها على الأردن.
قد يقول قائل أنه كان على الدولة أن تستدرك، وأن تنحو إلى سياسة اقتصادية مختلفة لتفلت من ابتزازٍ تتعرض له بسبب حاجتها للمال، وهذا صحيح نظريا، لكن من الناحية العملية لم يُتَح لها ذلك، ولو حاولت، بشكل جدي وحقيقي، فلربما كسرت تلك الجهات ظهرها.
والكسر هنا ممكن ومتاح، فالدولة، بالأصل، لم تكاشف شعبها بحقيقة واقعها وظروفها، بوضوح ومصداقية، وبشكل كاف وأسلوب مناسب، ولا بحقيقة ما تتعرض له من ضغوط ابتزازية، لذلك؛ الناس لا ترى الدولة إلاّ مقصرة في معالجة الأزمات الاقتصادية، وعاجزة عن مكافحة الفساد، وتريد التعويض من جيوبهم الخاوية أصلا.
مجمل هذا الواقع؛ الظروف الاقتصادية الصعبة، وانعدام ثقة الناس بمؤسسات الدولة، جاء متوافقا مع الغاية من الضغوط الاقتصادية التي تمارس عليه لتحقيق أهداف سياسية.
ولا بد هنا من ملاحظة مسألة أساسية، وهي أن أهداف الضغوط مختلفة، ومتفاوتة بين الجهات التي تمارسه، فمثلا دول إقليمية تريد من حصارها الاقتصادي للأردن دفعه لتبني سياساتها؛ يعادي من تعادي ويحابي من تحابي، دون النظر إلى مصالحه وتداعيات هذه السياسة عليه.
ودول عظمى تحاصر اقتصاديا وتضغط سياسيا، وتريد من الأردن تبني نهج سياسي، أقل ما يقال عنه انه كارثي، ويرتبط أساسا بتصفية القضية الفلسطينية، وعلى حسابه بالكلية، ولهذه الدول أدواتها المالية، إقليميا وأمميا، التي توظفها لهذه الغاية.
السؤال هنا، هل تدرك هذه الدول ماذا يعني أن ينهار الأردن اقتصاديا وتدب فيه الفوضى، لا قدر الله..؟، وهل تدرك أن هذا السد لو فاض ستكون نتائجه عليها ذاتها وخيمة العواقب..؟
ربما تدرك هذه الدول وزعاماتها ذلك، وربما لا، أو هي لا تقيم لهذه المخاطر وزنا. والإجابة على هذه الأسئلة يتطلب أن نقيّم تلك الزعامات، ونمط تفكيرها، والطريقة التي تدير بها سياساتها تجاهنا.
عندها فقط، نستطيع أن ندرك طبيعة المآلات، وحجم ما قد تجلبه من مخاطر صعبة ومعقدة.
من المهم، والمهم جدا، أن نفهم، على المستويين، الشعبي والرسمي، حجم التغيير الذي طرأ في نظرة هذه الدول للأردن ودوره، ونعي، ويفترض أننا نعي، أن هذه الدول لا تساعد مجانا، بل مقابل ثمن سياسي.
إن فهم الكامن في باطن ما يتعرض له الأردن، مسألة وطنية ملحة، لا تحتمل تأخير التقييم والاستنتاج، فالوقت لا يعمل في صالح الوطن، بالنظر إلى تسارع الأحداث وتطوراتها.
وبالنظر إلى أن الأردن لا يمكنه أن يخضع للضغوط أو يستجيب لها، لأن ذلك سيكون سببا في تهديد وجوده، عندها لن ينفع الانفراج الاقتصادي الذي ثمنه التلاشي السياسي.
لذلك، الأردن يقاوم بشراسة، ولكن بخيارات محدودة، يقاوم ليقينه أن تصفية القضية الفلسطينية تعني تصفية من نوع ما للدولة الأردنية، كما يدرك أن انحيازه لهذا المحور أو ذاك في الصراعات الإقليمية، وبصورة فجة، سيكون مكلفا.
نعم، الأردن يقاوم، لكن إلى متى يمكنه الصمود؟
هذا السؤال مفتوح الإجابة، لكن الصمود يعتمد بالأساس على وحدة وقوة وصلابة الموقف الوطني الداخلي، والتناغم بين الرسمي والشعبي، الذي أساسه المكاشفة والمصارحة وبناء الثقة.
وهذه أساسها: مكافحة الفساد، وتحقيق العدالة، وتعزيز الديمقراطية، والشروع في بناء اقتصاد وطني يثق الناس بمساره، لا مراوغة فيه أو خداع.
مِثل ذلك، إن تحقق، يساعد في مواجهة الحصار الاقتصادي والضغوط السياسية، ويعين الدولة وقيادتها على المجابهة، ويضعف قدرة الخصوم وأصحاب المصالح على التلاعب بالداخل واستقراره، ويتيح أن تفرض بعض شروطك في سياق تسوية الملفات الإقليمية والدولية ذات الصلة بمكانك ودورك.