مرايا – كشفت وثائق حصلت عليها وكالة الأنباء الأردنية “بترا” عن نقل جهاز متطور في علم التشريح الرقمي “Virlual Autopsy” من المركز الوطني للطب الشرعي الى قسم الأشعة في مستشفى البشير للعمل بوظيفه اخرى بعد سنة من الاستخدام، بحجة عدم الاستفادة منه.
وفي الوقت الذي تعددت فيه تساؤلات اخصائيين بالطب الشرعي وازدادت الشكوك حول بعض “الممارسات الإدارية” قام بها مسؤولون متنفذون على خلفية نقل الجهاز، الذي اصبح اداة اساسية لحل لغز اسباب الوفاة. وكان جلالة الملك عبدالله الثاني أمر بمكرمة ملكية عام 2014 بشراء الجهاز بتكلفة تزيد عن 510 آلاف دولار، لتبسيط اجراءات التشريح.
و يعد الجهاز الأول من نوعه في الأردن والشرق الاوسط، والذي يغني عن عملية التشريح التقليدي للمساعدة في معرفة سبب الوفاة دون انتهاك حرمة وخصوصية المتوفى، وتجنيب الأسر المكلومة ألما جديداً يوازي ألم الفقد.
وحسب الوثائق، فقد اتفقت أطراف اللجنة المشتركة والمشكلة من الديوان الملكي والخدمات الطبية الملكية ووزارة الصحة ومديرية الامن العسكري بتاريخ 11 تشرين الثاني 2014، على احالة الشراء لشركة متخصصة بتجارة الاجهزة الطبية والاتفاق على شراء جهاز التشريح الرقمي(Simens CT SCAN 64) من شركة ألمانية، بسعر 510 الاف دولار اميركي.
ووقعت مذكرة تفاهم بين “الصحة” والشركة المعنية تتضمن عقد صيانة لمدة 8 سنوات يبدا سريانه بعد انتهاء فترة الكفالة المتفق عليها بالعقد وهي سنتان، وبتكلفة صيانة سنوية 75 الف دولار، إضافة إلى ابتعاث الكوادر الطبية والفنية من الطب الشرعي للتدريب على استعمال الجهاز وكيفية العمل على برامجه في المانيا، اضافة لاتمام عملية الاستلام من قبل الوزارة.
ويوم الاثنين 20 حزيران العام 2016، زار رئيس الوزراء السابق هاني الملقي يرافقه وزير الصحة الدكتور محمود الشياب، مستشفى البشير والمركز الوطني للطب الشرعي للاطلاع على جهاز التشريح الرقمي ثلاثي الابعاد والغرفة الرصاصية المجهزة له.
وطلب الملقي في حينه، الاسراع في تدريب الاطباء الشرعيين والفنيين في الشركة المصنعة للتعامل مع الجهاز وقراءة الصور واعداد التقارير المتخصصة. يوم الخميس 21 كانون الاول 2017 وبعد اقل من عام من العمل الفعلي للجهاز، خاطبت مديرية الهندسة الطبية التابعة لوزارة الصحة، بكتاب موجه الى شركة لتجارة الاجهزة الطبية، بخصوص نقل الجهاز من المركز الوطني للطب الشرعي الى قسم الاشعة التشخيصية في مستشفى البشير بسبب “عدم الاستفادة منه”، بحسب الوثائق.
وبحسب مصدر مطلع في الطب الشرعي، فان سبب نقل الجهاز، خارج المركز، يعود إلى ضغط من قبل بعض الاطباء للاستغناء عن الجهاز، لضمان استمرارية صرف مبالغ مالية للأطباء الشرعيين بدل تشريح تُنسب من المدعي العام؛ إذ يصرف لكل طبيب عن حالات الجثث المتعفنة 100 دينار، و50 دينارا للحالات القضائية، والحالات الاخرى 25 دينارا.
ولفت المصدر ذاته، إلى أن بعض المسؤولين في المركز تربطهم علاقات شخصية مع المركز الخاص الذي تسعى بعض الجهات لاستحداثه بقرار من الوزارة، مبينا أن طلبا تقدمت به عدة جهات في طور الإجراءات للحصول على موافقة وزير الصحة على إقامة مركز للطب الشرعي، واستثنت الوزارة منح خدمات ومهام التشريح من أي ترخيص مقبل.
وكانت صحيفة “الغد” نشرت خبرا بتاريخ 10 من نيسان العام 2018 مفاده، عن رغبة وزارة الصحة بمنح ترخيص لانشاء مركز للطب الشرعي يتبع للقطاع الخاص، بإشراف خبير من وزارة الصحة واعتباره بداية لتقديم خدمات التشريح خارج نطاق الوزارة. أحد الاخصائيين بالطب شرعي في وزارة الصحة فضل عدم ذكر اسمه، تساءل عن الاجراءات التي اتخذت في نقل الجهاز، مشيرا الى انه وفي عام 2017 كان الجهاز يستخدم لتصوير الحالات بعد الكشف الظاهري، حيث يتم عمل كشف ظاهري لـ3500 حالة وقرابة 2000 حالة عن طريق الكشف بالجهاز الذي يوفر عدالة اجتماعية وتفصيل عن الحالة، ويكشف حالات وفاة يعتقد انها طبيعية ويتبين انها جريمة جنائية، مشيرا الى ان الكشف الظاهري يجريه اطباء اخصائيون يعتبر مسحا خارجيا للحالة، والتأكد انه لا يوجد اصابات تثير الشكوك دون جراحة او الوضع بالجهاز.
وأوضح انه في حال وجود تقارير طبية لأمراض مزمنة للحالة يتم عمل “الكشف الظاهري”، وعند الشكوك وحتى بوجود ضغط من الاهل بعدم التشريح، تعرض الحالة على الجهاز التشريح مما يسعف المركز بالكشف دون اعتراض الاهل ويبين سبب الوفاة.
ويتفق مدير مركز الطب الشرعي السابق الدكتور قيس القسوس مع ما قالة المصدر بكسر حاجز صمت الجثة واستنطاقها، مؤكدا لـ”بترا”، ان الجهاز وجد لغايات الكشف عن اسباب الوفاة دون جراحة، وذلك من خلال التصوير ثلاثي الابعاد والاستغناء عن التشريح التقليدي بالسكين، اضافة لتحديد سبب الوفاة كبداية قبل التشريح التقليدي، مبينا أنه اذا كانت هناك جرم؛ مثل جثة بها مقذوفات نارية فان الجهاز يحدد مكان المقذوف بكل دقة بأسرع وقت. وأكد القسوس ان الاردن خسر جهازا لو اعلن عنه وتم التسويق له، سيجعل الاردن مركزا تعليميا وتدريبيا اقليميا بالتشريح الرقمي، بما يعزز سمعة الطب الأردني، معبرا عن اسفه لخروج الجهاز.
ويروي مساعد مدير المركز الطب الشرعي سابقا الدكتور عدنان عباس، قصة الجهاز، موضحا “انه في نهاية عام 2015 امر وزير الصحة الدكتور علي الحياصات بإعطاء مبنى منفصل للطب الشرعي، وخلال زيارة اخرى في ايار 2016 تفقد سير العمل في مشروع توسعة الطب الشرعي وتحديث أجهزته ومعداته، وبعد ذلك اتت شركة لتأسيس البنية التحتية للجهاز، وبأشراف مندوبين من الديوان الملكي”. واضاف، انه في يوم الاثنين 5 كانون الاول 2016 جرت عملية “الانقلاب الابيض” في الطب الشرعي على المؤمنين بفكرة التشريح الرقمي.
وقال عباس: “نقلت الى محافظة الزرقاء، واحيل الى التقاعد كل من مدير المركز قيس القسوس ورئيس الاختصاص الدكتور منصور المعايطة، في حين كانت فكرة الجهاز تتبلور في المركز.
وبين ان هناك تجارب ناجحة اجريت على الجهاز، ووضع تقرير مفصل لاطلاع جلالة الملك على اهم نتائجه، مضيفا انه كان هناك نية لاجراء دراسات لغايات تطوير التشريعات والاعتماد عليه في المحاكم في ذلك الوقت”.
وفي السياق ذاته، قال الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة حاتم الازرعي، ان الجهاز ليس لغايات تشريحية، انما لتشخيص المراجعين والمرضى، مضيفا انه وضع في مستشفى البشير لخدمة اشمل.واشار الى ان الجهاز يستخدم في الطب الشرعي للاحياء وليس للمتوفين ولغايات محددة بالكشف عن طريق الجهاز الطبقي.
واوضح ان المكرمة الملكية لم تحدد وجود الجهاز في المركز الوطني للطب الشرعي، مشيرا الى انه بقي في الطب الشرعي لفترة طويلة وهو لا يخدم لهذه الغاية التشريح الرقمي.
وحول سبب نقل الجهاز، اكد الازرعي ان الجهاز نقل لتخفيف الدور في التصوير الاشعاعي في مستشفى البشير، مبينا ان الجهاز نقل بعد استشارة وتنسيق بين مديرية الطب الشرعي ورئيس اختصاص الاشعة في الوزارة حول افضل السبل للإستفادة من المكرمة السامية لما يخدم اكبر شريحة من المواطنين. وذكر الازرعي ان اصحاب القرار في تحديد مكان مناسب للجهاز هم الفنيون المختصون في وزارة الصحة، حيث تم التنسيق فيما بينهم لاختيار افضل مكان لوضعه. يشار الى ان وكالة الانباء الاردنية “بترا” حاولت الاستفسار عن الجهاز واسباب نقله من خلال زيارة مدير المركز الوطني للطب الشرعي الدكتور احمد بني هاني، لكنه اصر على عدم الادلاء باي معلومة الا من خلال الناطق الاعلامي باسم الوزارة.
وحسب المصادر فان جهاز التشريح الرقمي يحقق أهدافاً علمية بتطوير “ابحاث تضاهي دراسات اميركية واوروبية”، اضافة الى اهداف أخلاقية بحفظ كرامة المتوفي واثبات الادلة بالغة الأهمية في وقت أقل.
ويقدر عدد حالات الوفاة سنويا في الأردن حوالي 27 الف حالة (14 الفا في العاصمة عمان) حسب آخر ارقام دائرة الاحصاءات العامة عام 2016.